أقلام الوطن

كل البنوك المركزية خاضعة للأمريكي … مختلف الأحزاب الروسية تصر على التبعية للدولار حلقة (2)

د.عادل سمارهد.عادل سماره

 

ولكن كاتاسونوف يقدم لنا صورة مقلقة عن ما آل إليه المصرف المركزي الروسي، اي انقلب الأمر تماماً بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ليصبح المصرف المركزي الروسي خارج يد الدولة، وتحديداً ضمن سيطرة الفدرالي الأمريكي! وهنا يجب أن نلاحظ أن الصين ما بعد ماو تحمكت ببقاء المركزي بيد الدولة.

يقول كاتاسونوف:

“… نائب رئيس ديوان المحاسبة في مجلس الدوما الروسي سابقا يوري بولديريف عند سؤاله: ما هو البنك المركزي في بلادنا ؟ فأجاب بكلمات معروفة للشاعر بوشكين ” ليس فارا ولا ضفدعا ، بل انه حيوان غير معروف” فقد حاول يوري بولديريف اجراء تحقيق في نشاط تلك المؤسسة الغامضة التي هي بنك روسيا وهذا ما كلفه منصبه في اعلى هيئة للرقابة المالية في البلاد.

لقد جاء في دستور روسيا الاتحادية ان البنك المركزي لروسيا الاتحادية – “هيئة من هيئات ادارة الدولة” ، بيد انه لا توجد شروحات تحدد إلى اي “فرع ” من فروع السلطة (التشريعية او التنفيذية او القضائية) تنتمي هذه المؤسسة. وأما القانون الاتحادي “حول البنك المركزي لروسيا الاتحادية (بنك روسياا) فيتضمن عبارة في منتهى الغموض : ” بنك روسيا غير مسؤول عن التزامات الدولة ، والدولة، غير مسؤولة عن التزامات بنك روسيا “(المادة 2) ( كاتاسانوف ص 215).

حاول ف ف بوتين تاميم البنك المركزي عام 2000 من خلال ادخال مجموعة من التعديلات الجوهرية على القانون الفدرالي حول البنك المركزي في روسيا الاتحادية بنك روسيا [1](ملاحظة 316) الا ان انصار “استقلالية” البنك المركزي للبلاد عن الحكومة كانوا يملكون (وما زالوا يملكون) جماعة ضغط قوية جدا في الدوما مما افشل تلك المحاولات. حتى حزب السلطة حزب روسيا الموحدة لم يدعموا بوتين في ذلك ، بل لم يدعم اي حزب تلك المحاولة بما في ذلك الحزب الشيوعي الروسي[2]

حاول بوتين ذلك مجددا عام 2003 … كما تضمن التصريح الغاء معدل الفائدة على القروض اي ان يصبح صفريا وقد سوغ ذلك بضرورة وضع احتياطي الذهب والعملات الصعبة الرسمية تحت رقابة الدولة … والتي يمكن للحكومة ان تستعين بها في تسديد التزامات الديون الخارجية، وكذلك تمويل الاقتصاد من دون نسبة فائدة . بطبيعة الحال فقد واجهت وسائل الاعلام الجماهيري الروسية ومن يقف خلفها من الاولغارشيين مثل هذه الاقتراحات بعداء ( ص 644)

مع تهرب البنوك التجارية من توفير قروض للمشاريع طويلة الامد والتي تتطلب راسمالا ضخما / مفضلة ان تمنح قروضا قصيرة الى جانب المضاربة في الأسواق المالية. يدور الحديث عن تاسيس بنوك التنمية بحيث تمنح وضعا خاصا خارج دائرة تاثير البنك المركزي. وتمنح قروضا طويلة الامد وبفائدة اقل بكثير من البنوك الخاصة. …وهي لا تدخل في منافسة مع البنوك التجارية الخاصة . وتحديث النظم النقدية بواسطة بنوك التنمية لا تمس كقاعدة بسلطة المرابين، وعلى وجه التحديد ، يحظر على بنوك التنمية الدخول في منافسة مع البنوك التجارية الخاصة ص 642… لكن والحق يقال ، نجحت في تلك الفترة السلطات الحكومية في تمرير قانون مجلس الدوما يسمح بانشاء صندوق الاستقرار . على ان تجري مراكمة جزء من عائدات التصدير في ذلك الصندوق ، وبحيث يكون خاضعا لسيطرة الحكومة. (ص 644)

لعل هذا المقتطف الطويل يوضح للمثقفين العرب الذين يطالبون روسيا تجاه القضايا العربية وخاصة سوريا وفلسطين أن تتخذ موقفاً اشد صلابة ، اي لنقل موازياً للعلاقة الحميمة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

فعلاوة على التقاطع التام بين الكيان وواشنطن، فإن هذا التقاطع غائب في الحالة العربية الروسية بل هو أقل مما كان عليه الحال بين العرب والاتحاد السوفييتي الذي ساهم في إقامة الكيان الصهيوني وحتى حينما عدل موقفه لم ترتق العلاقة إلى مستوى علاقة امريكا بالكيان.

على أن الجانب الأهم في سياق هذه المقالة هو أن روسيا الاتحادية نفسها مرتبطة بدرجة غير بسيطة بالدولار الأمريكي. هذا من جهة ومن جهة ثانية وأهم، فإن مختلف القوى السياسية هناك بمن فيها حزب بوتين والحزب الشيوعي يقفون حتى ضد تأميم البنك المركزي الروسي. وبالطبع ليس هذا مجال التثبيت بأن اي بلد في العالم تنبع قوته من بنيته وليس من حليفه باستثناء الكيان الصهيوني الذي يدين بمجرد وجوده للإمبريالية بتعددها.

ارتكازاً على أقوال كاتاسانوف بشأن روسيا الاتحادية، وهو كما يبدو وطني تقدمي روسي وليس ماركسياً، ترتكز جهوده الفكرية ضد المصارف والربا وفرض الفائدة ووجوب تأميمها، لكنه لا يذهب إلى تأميم المصانع، بأن هذه الدولة هي حالة وسطية من حيث سيطرة البنك الفدرالي الأمريكي على البنك المركزي الروسي بأن بوتين حاول الفكاك وإخضاع المركزي الروسي للدولة. وهنا تظهر مسألتان:

الأولى: أن على روسيا كي تصل حالة من التحالف الفعلي مع الصين أن تتخلص من السيطرة البنكية الأمريكية

والثانية: أن إقامة كتلة بريكس بدون مغادرة سيطرة الدولار، ليست ممكنة، ناهيك عن أمور أخرى متعلقة بعدم جاهزية انظمة الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل لمواجهة الولايات المتحدة ، هذا إن لم نقل أن بعضها يعادي الصين، حالة الهند.

 

 

[1] انظر ن ستاريكوف . تأميم الروبل –طريق روسيا الى الحرية

[2] أ. ماكسون . من يملك البنك المركزي ؟ // موقع مالتشيك كيبالتشيك

يتبع ……

الحلقة الأولى

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *