تحاليل و تقارير ساخنه

مقاومٌ واحدٌ من هذا الشعب يمسح كلّ أوساخ المُطبّعين

قاضي قضاة فلسطين محمود الهباش يجتمع مع إسرائيليين في رام الله

“استطاعت منظمة التحرير منذ العام 1994- حين جاءت الفرصة- تغيير عقلية الشعب الفلسطيني، باتجاه السلام”. صدر الكلام هذا عن محمود الهبّاش، مستشار الرئيس للشؤون الدينية، يوم الأحد 16 فبراير، خلال لقاءٍ عقده مع عددٍ من الصحفيين “الإسرائيليين”، بتنظيمٍ من “لجنة التواصل في المنظمة”، في إطار “سعي القيادة لمواجهة صفقة ترامب؛ سياسيّا وقانونيًا وإعلاميًا”.

في اللقاء نفسه، الذي انعقد في أحد مطاعم رام الله المحتلة، مجّدَ الهبّاش سياسة التنسيق الأمني، مجددًا التأكيد على أنّه “مصلحة فلسطينية- إسرائيلية”، مُدّعيًا أنّه كان “من قيادات الانتفاضة الأولى، ولم يكُن يتصوّر يومًا الجلوس مع إسرائيليين- لكنّه يفعل اليوم- وهذا يدلّ على تغيّر العقلية الفلسطينية” كما قال.

قاضي قضاة فلسطين محمود الهباش يجتمع مع إسرائيليين في رام الله

جُنّ جنون الفلسطينيين، حتى أنّهم انتفضوا ضدّ المكان الذي جرى فيه اللقاء، فهاجموه بزجاجاتٍ حارقة، وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي أجزاء من حديث الهبّاش مع الصحفيين الصهاينة، لتشهد تلك المنصّات الإلكترونية انتفاضةً مماثلة “أدانت النهج الذي تُواصل قيادات السلطة الفلسطينية السير فيه، في التعامل مع الاحتلال مُغتصب الأرض ومُزيّف التاريخ، والمُضيّ في أوهام السلام والتشبّث بوحل التنسيق الأمني”، وورد هذا في سيلٍ لم يتوقّف من التغريدات والمنشورات لروّاد ونُشطاء مواقع التواصل، صبّوا فيها جام غضبهم على المُطبّعين، مُذكّرين بحقائق تاريخيّة ردّوا فيها على أقاويل الهبّاش.

نوابٌ وأكاديميون وسياسيون دعوا كذلك إلى مقاطعة “المُطبّعين المجرمين”، أيًا كانت مناصبهم وانتماءاتهم”، عبر عريضةٍ وقّعوها، في اليوم التالي للقاء الهباش، طالبوا فيها “عزلهم سياسياً واقتصاديًا واجتماعيًا.. إلخ”، وذلك “بعد أن بلغ السيل الزبى وهرول المطبّعون إلى تل أبيب وفتحوا أبواب مقر م.ت.ف في رام الله للصهاينة المستوطنين قدامى وجدد بهدف التطبيع والتصفية”، و”تعميم هذا على أوسع نطاق”.

وفي خضمّ هذا التناقض الصارخ بين موقفيْ “القيادة الفلسطينية” وجُموع الفلسطينيين المُتشبّثين بكلّ أشكال النضال والانتفاضِ بوجه العدو الصهيوني، تبرز عدّة تساؤلات، أوّلها: من تُمثّل تلك القيادة إذن؟، ثمّ: ماذا تنتظر من استمرارها بالسير في نفق التطبيع والتنسيق؟، والتمسّك بكل ما يُمثّله أوسلو- سياسيًا وأيديولوجيًا- وهل بالإمكان لهذا النهج بالفعل إسقاط صفقة القرن التي تسعى لإنهاء الوجود الفلسطيني كاملًا، وليس شطب حقوق الشعب فقط!

باسم الشعب!

“بوابة الهدف” تحدّثت إلى د.عادل سمارة، المختصّ بالاقتصاد السياسي والتنمية، من رام الله المحتلة، وأحد مناهضي التطبيع وممّن وقّعوا على العريضة المُشار إليها آنفًا، وبدوره رأى أنّ “الحديث بهذا المنطق عن تغيير العقلية الفلسطينية هو نسخة مترجمة ومُشوّهة عن أطروحة إدوارد سعيد، التي دعت الفلسطينيين إلى تفكيرٍ جديدٍ- يرتكز إلى ثقافة جديدة وعقلية فلسطينية مُغايرة، لا تستند إلى الكفاح المُسلّح (وحده) في مواجهة إسرائيل”.

وبيّن د.سمارة أنّ “هناك نهجٌ عمليّ فعليّ للتطبيع مع الاحتلال، وهنا نتحدّث عن المُطبّعين؛ أجيالًا وثقافة، وليس عن مجموعة أشخاص فحسب”.

ورأى أنّ ما يجري هو “تنفيذٌ لأوامر أمريكية تدعو المطبّعين إلى التحرّك الآن، وبهجمة شرسة، في هذه اللحظة بالتحديد، لضرب ما يُسمى الوحدة الوطنية- رغم أنّ الوحدة الوطنية الحقيقية غير موجودة أصلًا الآن، وهناك عدّة آراء في هذا”.

وقال “أعتقد أنّه لو خُيّر هؤلاء- المطبّعون- لما تحرّكوا الآن وانفضحوا، لكن من يكون مُرتبطًا يُؤمر ولا يُخيَّر”.

“لا يحقّ لأحدٍ التحدّث باسم الشعب، فالشعب مجموعٌ بشريّ مقدسٌ، لا يتحدث باسمه سواه”. يقول د.عادل سمارة، مُتابعًا “عشية اليوم الذي تحدّث فيه الهبّاش أعلن الاحتلال العثور على جثمان الشهيد فخر أبو زيد، منفّذ عملية إطلاق النار قرب مستوطنة (دوليف) غربي رام الله، في 6 فبراير، مُتسلّحًا ببندقية M16 ومسدس”.

هذا هو الشعب، و”إنّ مقاوِمًا واحدًا يمسح كلّ أوساخ المُطبّعين” كما قال د.سمارة، مُؤكدًا على أنّه قد تحصل “مؤامرات وتنازلات، لكنّ لا شيء يُمكنه تغيير عقلية شعبٍ تحت الاحتلال”.

وأشار إلى أنّ “السلطة ليست مشروعًا للتحرير، لوم تكن كذلك يومًا، إذ كانت تسعى إلى أنّ تكون مشروعًا لدولةٍ بديلةٍ عن مشروع التحرير، لكنّها تُدرك اليوم أنّها غير قادرة- حتى- على أنّ تكون مشروعًا لدولةٍ صغيرة في الضفة الغربية أو أجزاء منها. لكنّ يبقى هذا- نهج التطبيع والتنسيق- موقفها وقناعتها ومصالحها ودعائم اقتصادها، ومصيرها، وهي مخلصة لهذا الموقف!”.

ما السبيلُ؟

رأى د.سمارة أنّ “هناك مُرتكَزيْن أساسييْن لمن يُؤمن بالحدّ الأدنى من الرفض، أوّلهما: أنّ منظمة التحرير الفلسطينية لا يجب أن تبقى داخل الأرض المحتلة، إذ لا يُعقل أنّ تكون (منظمة تحرير) وتقع تحت نير احتلالٍ واستيطان، لذا عليها أن تخرج إلى واحدة من دول محور المقاومة؛ دمشق بيروت طهران.. إلخ. والمُرتكز الثاني هو مقاطعة المُطبّعين، رسميين وغير رسميين، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.. إلخ، وكذلك المُدافعين عنهم، وهذا هو الحد الأدنى الذي يُمكن العمل عليه”.

وأوضح “إذا لم نبدأ من هذين المُرتكزين- ويُمكن إضافة أمور أخرى- سنكون بشكل غير مباشر جزءًا من صفقة القرن، حتى لو تم الادّعاء بعكس هذا وبالسعي في مواجهتها، فالحاصل حتى الآن هو صمتٌ وتطبيعٌ وتبريرٌ، وهذا كلّه في منتهى الخطورة”.

أمّا “كيف يُمكن أن يتحرّك الشعب، وما هي الإستراتيجية المطلوبة للمواجهة، فهذه تساؤلات لا يُمكن الإجابة عليها في لحظةٍ بعينها، لأنّ صراعنا ممتدٌ، عقودٌ طويلة مضت، وأخرى آتية، لكن إن اتّبعنا ذانِكَ المُرتكزّين باعتقادي هذه بداية منطقية ومعقولة، يُمكنها رفع مستوانا وقيمتنا لدى الشعب العربي، فعندما ينتهي دور قيادة منظمة التحرير كفرّاخة للتطبيع سيكون لزامًا عليه- الشعب العربي- قبول الفلسطينيين بالشكل الجديد (لا يُطبّعون)، وإذا استعدنا هذه الصورة، نستعيد تدريجيًا الشارع العربي، وهو ما سيفتح قطعًا على نطاقٍ أوسع من المواجهة، يُمكّن من التأسيس لإستراتيجية أعمق وأشمل” وفق د.سمارة.

وخلاصة القول، كما رأى د.سمارة “في النهاية، لو أنّ السلطة فقط تصنع معروفًا، بألّا تعرقل من يُريدون أن يُقاوموا!، ولتبقى تدور في فلكِ ما تحلم، فتلك مُشكلتها”.

بوابة الهدف

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *