أقلام الوطن

الأمم المتحدة وتوحش إسرائيل في حروبها العدوانية

د. غازي حسين

 

  • ميثاق الأمم المتحدة يحرّم الحروب العدوانية ويجيز استخدام القوة في حالة الدفاع الشرعي عن النفس.
  • ويجيز حق الشعوب والأمم  في تقرير المصير والسيادة والاستقلال  و مقاومة الاحتلال.

أباح القانون الدولي الاستعماري حتى تأسيس عصبة الأمم استخدام القوة لاكتساب الإقليم، وبذلك استطاعت الدول الاستعمارية أن تفرض سيطرتها على العديد من البلدان في آسيا وأفريقيا.

وعلى أثر الحرب العالمية الأولى وما جلبته من مصائب وويلات وخسائر بشرية ومادية فادحة واستخدام الغازات السامة وإلحاق الأذى بالمدنيين تقرر في مؤتمر فرساي بباريس عام 1919 إنشاء عصبة الأمم لتعمل على استتباب الأمن والسلم الدوليين.

نص ميثاقها على أن الحرب غير مشروعة في مجموعة من الحالات، ولكنه لم ينص على تحريمها، وكانت الحرب ممكنه بموجبه في حالتي الدفاع عن النفس واستنفاذ الإجراءات التي ينص عليها الميثاق.

لذلك قررت بعض الدول الأوروبية أن تخطو خطوة متقدمة بتجنب هذا النقص وقامت في عام 1928 بتوقيع ميثاق بريان كيلوج. ونصت مادته الأولى على أن الدول الموقّعة عليه تعلن استنكارها اللجوء إلى الحرب لتسوية الخلافات الدولية.

وجاءت الولايات المتحدة الأميركية عام 1932 ووضعت مبدأ سمسون (وزير خارجيتها) الذي نص على عدم الاعتراف بالتغييرات الإقليمية التي نتجت عن استخدام القوة في منشورية.

وأصدرت دول أميركا اللاتينية في عام 1936 بيان يوينس آيرس شجبت فيه الغزو الإقليمي وأكدت عدم اعترافها بالمكاسب الإقليمية التي تتم عن طريق استخدام القوة.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والخسائر البشرية والمادية الفادحة التي لحقت بالبشرية من جرائها، ونظراً لازدياد كراهية شعوب العالم للحروب، جاء ميثاق الأمم المتحدة ينص في مادته الثانية على منع الحروب وتحريمها.

يتضمن الميثاق نصوصاً صريحة وواضحة لتحريم الحروب ومنع الدول الأعضاء من استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية.

تنص ديباجة الميثاق على عدم استخدام القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة.

وتطالب المادة الثانية بفض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية ومنع الدول الأعضاء التهديد بالقوة أو استخدامها في العلاقات الدولية، وبالتالي يحرّم الميثاق الحروب العدوانية ولا يعترف بشرعية الاحتلال.

وتفرض مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة العقوبات على الدولة المعتدية وإجبارها على الانسحاب ودفع التعويضات عن الخسائر التي ألحقتها بالدولة أو الدول المعتدى عليها.

وأقرت الأمم المتحدة «نظام وقرارات محكمة نورنبيرغ» لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين في القرار 95 عام 1946 كجزء من القانون الدولي، وأقرت في عام 1948 معاهدة تحريم إبادة الجنس البشري واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 لحماية السكان المدنيين، وأكدت في عام 1968 على عدم سريان تقادم الزمن على جرائم الحرب.

أجاز ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة في حالة الدفاع عن النفس بموجب المادة (51) من الميثاق وجاء فيها: «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة». ويتم الدفاع عن النفس بموجب هذه المادة إما بطريقة فردية أو جماعية كاشتراك مجموعة من الدول لرد الاعتداء الذي يقع على إحداهما.

ويتضمن الفصل السابع من الميثاق فرض العقوبات على الدول التي تشعل الحرب العدوانية.

إن لصاحب الحق أن يستعمل حقه بالطريقة التي يراها حسب الحدود التي يقرها القانون، وإن القوانين الداخلية والدولية تخول الدول استخدام القوة من أجل حماية نفسها أو رد الاعتداء الذي يقع عليها ضمن إطار الدفاع عن النفس ومقاومة الاحتلال ومواجهته لتحرير الأراضي المحتلة.

ويقر القانون الدولي حق الشعوب والجماعات في تقرير المصير والنضال من أجل ذلك.

وتجيز الشرائع السماوية والقوانين الوضعية  للفرد والجماعات والدول حق الدفاع عن النفس مادام ذلك في الحدود التي يرسمها و يخولها القانون، وإن  استخدام القوة للدفاع عن النفس لا يدخل في دائرة الاستعمار والعنصرية والإرهاب كما تفعل إسرائيل منذ أن أقامتها الدول الغربية وحتى اليوم .

أما إذا تجاوز الفرد أو الدولة أو الجماعة الحدود التي يخولها القانون الداخلي والدولي فإن هذا التجاوز يضع مرتكبه تحت طائلة العقاب والمسؤولية القانونية.

وتخوّل الشريعة الإسلامية الإنسان حق الدفاع عن نفسه باستخدام القوة مع وجوب التقيد بالحدود التي ترسمها الشريعة، ومن الشروط التي حددتها الشريعة أن يكون الاستخدام للقوة يتناسب وطبيعة الخطر وأن الخطر الداهم حقيقي، ولا يجوز قتل الأبرياء باسم الجهاد كما يجري حالياً بسورية والعراق وغيرها على أيدي الجماعات التكفيرية.

ويخول القانون الدولي «الإنسان» حق الدفاع الشرعي عن النفس واستخدام القوة إزاء خطر يتهدده، وفق الشروط التي حددها القانون.

شنت «إسرائيل» العديد من الحروب العدوانية منها حرب حرب عام 1948 وحرب السويس  العدوانية عام 1956 وحرب حزيران عام 1967 والغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 والعديد من الحروب الأخرى  وأخطرها وأبشعها الحروب الإسرائيلية و الوحشية والجبانة على قطاع غزة المحاصر من العدو والشقيق لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية«وكسر الإرادات الفلسطينية العربية الرسمية وفرض الإملاءات الإسرائيلية وإنجاح المشروع الصهيوني في الوطن العربي وتهويد فلسطين والقدس والخليل وبقية الضفة الغربية. ورفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بموجب قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 ومبادئ القانون الدولي.

وعلى الرغم من ذلك يبرر رجال القانون الدولي اليهود ويزعمون أن الغزو الإسرائيلي للدول العربية كان من قبيل الدفاع عن النفس وأنه يجب التفريق بين نوعين من الغزو، غزو دفاعي تقوم به دولة دفاعاً عن نفسها وعن خطر يداهمها، وغزو عدواني تقوم به دولة ما دون مبرر قانوني لتبرير تهويد القدس وبقية فلسطين والجولان ومزارع شبعا ودعم حروب إسرائيل العدوانية .زعموا أن الغزو الدفاعي يعطي للدولة الغازية حقوقاً إقليمية، أما في حالة الغزو العدواني لا يجوز إحداث تغييرات إقليمية وكانت حرب حزيران عام 1967 حرباً عدوانية استعمارية للهيمنة على الشرق الأوسط وتصفية قضية فلسطين وكل حروب العدو الاسرائيلي استعمارية لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية في قلب الوطن العربي. وتقوم السياسة الإسرائيلية على:

  • عدم العودة إلى الحدود الدولية التي رسمها قرار التقسيم الصادر عن الأمم وتأسست بموجبه.
  • وعلى عدم العودة إلى حدود الرابع من حزيران عام  1967 وضم كتل المستعرات الكبيرة في الضفة الغربية.
  • الاتفاق على حدود جديدة عن طريق المفاوضات بين الضحية والجلاد، بين المنتصر والمهزوم بذريعة استعمارية حقيرة وهي تبادل الأراضي و برعاية الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي للعدو الإسرائيلي والعدو الأساسي للشعب الفلسطيني وللعروبة والاسلام لتحقيق نظرية المجال الحيوي والسيطرة على الشرق الاوسط والنفط والغاز فيه.
  • العمل على إقامة «إسرائيل العظمى» الاقتصادية عن طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد.

وتنطلق «إسرائيل» في موقفها هذا من المبدأ الاستعماري القديم الذي أباح استخدام القوة للحصول على مكاسب إقليمية بكسر إرادة العدو وتحقيق الاستعمار الاستيطاني. وترفض الأمة العربية والإسلامية والامم  المتحدة وكل دول العالم الموقف الإسرائيلي (الأميركي) انطلاقاً من عدم شرعية استخدام القوة لتحقيق مكاسب إقليمية وعدم الاعتراف بالتغييرات الناجمة عن استخدام القوة، لأن مئات السنين من الاحتلال غير المشروع لا تضفي الشرعية على هذا الاحتلال، وما بني على باطل فهو باطل مهما طال الزمان وغلا الثمن ويجب إزالته بالقوة العسكرية.

ولكن ظهرت في الفترة الأخيرة على الساحة الدولية تطورات في منتهى الخطورة تعيد الوضع الدولي والعلاقات الدولية إلى مرحلة أسوأ من مرحلة الحربين العالميتين الأولى والثانية، أي إلى مرحلة فرض شريعة الغاب، وذلك عندما أعلن الرئيس الأميركي بوش وترامب أن الحروب  الإستعمارية الخطيرة والجبانة التي تشنها «إسرائيل» على الشعب الفلسطيني هي حرب دفاع عن النفس وأن مجرم الحرب السماح شارون والفاشي مجرم الحرب نتنياهو رجال سلام .

وأعلن الرئيس ترامب موافقته على تبادل الأراضي لضم أكثر من 85% من المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية لإسرائيل وأن القدس بشطريها المحتلين عاصمة إسرائيل ونقل سفارة دولته المارقة في يوم الذكرى  السبعينية للنكبة مما يدل على يهودية إدارته اليهودية، وأن أمن إسرائيل مقدس.

وعاد ترامب  وكرر بوقاحة ووحشية منقطعة النظير عندما اعتدت إسرائيل على القطيفة بالقرب من دمشق  وأعلن أن «إسرائيل» في حالة الدفاع عن النفس. وانتقد سورية المعتدى عليها.

يخالف موقف رؤساء الولايات المتحدة من حروب الإبادة الإسرائيلية والعتداءات المستمرة على الشعب الفلسطيني وعلى سورية ولبنان والحيلولة دون توفير الحماية الدولية له من مجازر إسرائيل، وموقف ـ- بوش ـ- من الغارة على عين الصاحب و موقف إدارة أوباما من الغارة على جمرايا وينتهك مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والمسؤوليات التي تتحملها الولايات المتحدة كعضو دائم في مجلس الأمن في المحافظة على السلم والأمن الدوليين.

ويعطي هذا الموقف الأميركي الوقح الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام باعتداءات جديدة على سورية والسودان ولبنان وغيرهم من البلدان العربية والإسلامية.

وينكر في الوقت نفسه حقوق الشعب الفلسطيني في الدفاع الشرعي عن النفس.وتصف إدارة ترامب اليهودية المقاومة الفلسطينية وحزب الله المشروعة والعادلة بالإرهاب.

ويجسد الموقف الأميركي ذروة إرهاب الدولة والإرهاب الدولي الذي تطبقه «إسرائيل» وتدعمه الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وهو موقف إرهابي إمبريالي لانتهاك السيادة والاستقلال وحرمة الأراضي العربية. ويعكس بجلاء مدى التماثل والتحالف بين الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي في الصراع العربي الصهيوني وفي محاربة العرب والمسلمين لتصفية قضية فلسطين.وجاء الطلب الامريكي الخطير والحقير لمناقشة مجلس الامن إطلاق حماس والجهاد الصواريخ على اسرائيل في 30 أيار 2018  في هذا السياق الاستعماري الوحشي.

إن القانون الدولي المعاصر لا ينص فقط على الانسحاب الشامل ودفع التعويضات ومعاقبة «إسرائيل» المعتدية بل يقرر تجريدها من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة التقليدية، وسلخ أراضي معينة منها كعقوبة لها على حروبها العدوانية و للحيلولة دون قيامها بحروب عدوانية جديدة أسوة بما طبقه الحلفاء على ألمانيا في اتفاقية بوتسدام، والتي تتضمن تجريدها من السلاح وسلخ أجزاء من أراضي الدولة المعتدية لمنعها من القيام بعدوان في المستقبل، لأن إسرائيل تشكل أكبر الأخطار على السلام في الشرق الأوسط والعالم بأسره، لذلك يجب العمل على اجتثاثها من قلب المنطقة العربية والإسلامية كغدة سرطانية خبيثة وثكنة عسكرية مدججة بجميع أسلحة الدمار الشامل مغتصبة لفلسطين العربية و معادية للعروبة و الاسلام والقانون الدولي والقرارات الدولية ومصيرها إلى الزوال.

د. غازي حسين

عضو جمعية البحوث والدراسات-اتحاد الكتاب العرب بدمشق عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين –عضو رابطة الكتاب الاردنيين ولد بتاريخ 10/9/1938 في بلدة سلمة (قضاء يافا) التي احتلتها العصابات اليهودية المسلحة بعد مجزرة دير ياسين في أواخر شهر نيسان عام 1948. أنهى الدراسة الابتدائية والثانوية في كلية النجاح الوطنية بنابلس. انتخب عام 1954 كرئيس لمؤتمر الطلبة الأردني بلواء نابلس. اعتقل عدة مرات في الأردن ونفي إلى معتقل الجفر بسبب نشاطاته السياسية. بدأ دراسة الحقوق في الجامعة السورية بدمشق وأكملها في ألمانيا ونال هناك الماجستير في الحقوق عام 1962، ودكتوراه في القانون الدولي عام 1966، ودكتوراه في العلوم الحقوقية عام 1974. مارس تدريس القانون الدولي في جامعات ألمانيا ودمشق (المعهد العالي للعلوم السياسية). عمل كمستشار في القصر الجمهوري بدمشق وكسفير لمنظمة التحرير الفلسطينية لدى الحكومة النمساوية في فيينا، وكممثل للمنظمة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووكالة التنمية الصناعية (يونيدو) في فيينا. وشارك في أهم المؤتمرات الدولية التي عالجت قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني، و كمستشار قانوني ورئيس إدارة في الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية بدمشق، وعضو سابق في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، وعضو سابق في القيادة العامة لطلائع حرب التحرير الشعبية- قوات الصاعقة ورئيس الدائرة السياسية وأمين سر اللجنة العربية لمكافحة الصهيونية والعنصرية، وعضو الأمانة العامة لمؤتمر الأحزاب العربية، وعضو الأمانة العامة في التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة وعضو هيئة تحرير مجلة الفكر السياسي في اتحاد الكتاب العرب. مؤلفاته: 1-اسرائيل الكبرى والهجرة اليهودية- دراسة.1992. 2-الفكر السياسي الفلسطيني-1963- 1988- مطبعة رانيا عام 1993. 3-الصهيونية ايديولوجية عنصرية كالنازية (بالعربية عام 1968) و(الألمانية عام 1971). 4-الغزو الاسرائيلي للبنان- (مجموعة من الباحثين) دمشق 1983. 5- انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان العربي عام 1969. 6- الهجرة اليهودية وأثرها على طاقات إسرائيل الاقتصادية والعسكرية عام 1974 بالعربية وعام 1975 بالإنكليزية. 7- فلسطين والأمم المتحدة عام 1975. 8- عدالة وسلام من أجل القدس، باللغة الألمانية في فيينا، عام 1979. 9- النظام الإقليمي والسوق الشرق أوسطية عام 1994. 10- الصراع العربي - الإسرائيلي والشرعية الدولية عام 1995. 11- الشرق أوسطية إسرائيل العظمى، دمشق 1995. 12- الصهيونية زرع واقتلاع (اتحاد الكتاب العرب - دمشق) 1966. 13- ياسر عرفات من التوريط إلى التفريط - دمشق 1996. 14- القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية: من التطبيع إلى الهيمنة - اتحاد الكتاب العرب - دمشق عام نبذة مأخوذة من موقع اتحاد الكتاب العرب بدمشق عن الدكتور غازي حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *