أقلام الوطن

لازاريني وتحديات كورونا ومنصب المفوض العام للأونروا

علي هويدي
علي هويدي

علي هويدي*

 

أخيراً وبعد مرور حوالي الثمانية أشهر على بدء عمل كريستيان ساوندرز كقائم بعمل المفوض العام للأونروا خلفاً للمفوض العام السابق للوكالة بيير كرينبول، عيّن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش السويسري  فيليب لازاريني مفوضاً عاماً جديداً للأونروا ابتداءً من يوم 19/3/2020.

لم يكن تعيين لازاريني بالسهولة التي حظي بها المفوضون العامون السابقون لوكالة “الأونروا” وهي المدة الأطول للتعيين في تاريخ الوكالة، إذ كانت تجري تلقائياً دون أية معوقات.

التعيين يتطلب مشاورة الأمين العام غوتيريش للدول أعضاء اللجنة الاستشارية للوكالة وموافقتها (28 دولة فمن فيهم أمريكا وثلاثة أعضاء مراقبين هم دولة فلسطين والإتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية).

على الرغم من أن تعيين المفوض العام ونائبه من صلاحية الأمين العام للأمم المتحدة، إلا أن عملية اختيار الإسمين (المفوض العام ونائبه) يخضعان لموازين القوى في الأمم المتحدة.

حسب مصدر مطلع في الأمم المتحدة؛ فقد حظي ترشيح السيد ساوندرز لمنصب المفوض العام للوكالة بالقبول من غالبية دوائر صنع القرار في الأمم المتحدة حتى تاريخ الثالث من آذار/مارس 2020، بانتظار الإعتماد النهائي من قبل اللجنة الإستشارية للوكالة وغوتيريش، وهو الذي خَبِر عمل الوكالة “الجديد” خلال فترة ليست بالبسيطة (8 أشهر) بالإضافة إلى عمله سابقاً بوظائف تابعة للأونروا في قطاع غزة سنة 1989، ولديه خبرة أكثر من 30 سنة في العمل مع منظمات الأمم المتحدة..، إلى أن سُرِّب لوسائل إعلام مختلفة بتاريخ 3/3/2020 من أن المفوض العام الجديد للأونروا سيكون السويسري فيليب لازاريني، في رسالة تحدي إلى الخطاب المرتقب الذي سيلقيه السيد ساوندرز في اليوم الذي يليه، أي في الرابع من آذار/مارس 2020 ووصل نسخة منه إلى كل من الإدارة الأمريكية والكيان المحتل، وكان ساوندرز قد أدلى بتصرح سابق في مقابلة لوكالة رويترز في 16/1/2020 اتهم فيه كل من أمريكا والكيان المحتل بالعمل على “وقف تمويل المنظمة والتضييق على عملها”.

ويتابع “المصدر”؛ يبدو بأن السيد ساوندرز أدرك حجم اللعبة وموقعه فيها وما الذي يمكن أن يُطلب منه والضغط عليه في المرحلة القادمة في سياق ما تضمنته جريمة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي في 29/1/2020 من استهداف سواء لقضية اللاجئين الفلسطينيين أو للوكالة.

خاطب ساوندرز الدورة 153 لمجلس وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة في 4/3/2020 بعبارات خطيرة وغاية في الأهمية تدل على رؤية وعمق الفهم والتحليل السياسي قارعاً ومعلقاً الجرس أمام الحضور وهو يدرك التداعيات مسبقاً فقال: “إن كثافة وعدد اللاعبين المنخرطين في محاولة نزع شرعية الأونروا في تزايد يوماً بعد يوم، وهم يستهدفون بشكل متزايد صانعي القرار والبرلمانيين في مختلف الأطياف السياسية في عواصم الدول المانحة، بهدف قطع التمويل عن الأونروا”، مضيفاً ” إن الهجمات تشكك في مهام ولايتنا وفي مهمتنا وتشتمل على جهود لإنهاء الأونروا من تقديم الخدمات للاجئي فلسطين في القدس الشرقية”.

وشرق القدس المحتلة هي المنطقة التي بدأ الكيان المحتل إجراءاته العملية لإنهاء خدمات الوكالة فيها من خلال الشروع في بناء ما يسمى بـ “المنطقة التعليمية” بديلاً عن مدارس “الأونروا” بجانب مخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين بتكلفة تزيد عن 2.25 مليون دولار.

في نفس اليوم أي في 4/3/2020 قدّم غوتيريش اسم لازاريني للجنة الإستشارية للوكالة التي ترأسها دولة الأردن كمرشح لمنصب المفوض العام والذي حظي بالموافقة وتم الإعلان الرسمي في 19/3/2020.

لم يكن السيد ساوندرز ليعني في خطابه سوى الإدارة الأمريكية والكيان المحتل الذي لم يتوقف لحظة واحدة عن إستهداف الوكالة ومهاجمتها وبأشكال مختلفة وتحديداً منذ مجيئ ترامب إلى الرئاسة في أمريكا مطلع العام 2017 حتى يومنا هذا، يهاجمها سياسياً وقانونياً وإعلامياً والأهم يهاجمها دبلوماسياً من خلال التواصل الثنائي مع الدول المانحة لثنيها عن الدعم المالي ليصل العجز الحالي للوكالة لسنة 2020 إلى مليار دولار من دون اقتطاع ما نسبته 10% من الميزانية العامة لسنة 2020 (1.4 مليار دولار)، مع تحذير من “مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط” نيكولاي ميلادينوف في 26/2/2020 من أنه إن لم يتم توفير المبالغ المالية المطلوبة حتى نهاية شهر نيسان/ابريل 2020 “سيتم تعليق الخدمات الحيوية في غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ما سيؤدي إلى تداعيات إنسانية خطيرة”.

وتحدث مدير عام “الأونروا” في غزة ماتياس شيمالي في 13/3/2020 من أن هناك تعهدات من الدول بدفع 400 مليون دولار، فيما لو دُفعت فإن الميزانية ممكن أن تكفي لنهاية شهر أيار/مايو 2020.

ونحن إذ نتمنى للسيد لازاريني التوفيق والنجاح في مهامه الشاقة والصعبة، فإن ما ينتظر المفوض العام الجديد على مستوى التحديات الجسام السياسية والمالية والإدارية التي تواجه الوكالة تحديداً للثلاث سنوات القادمة (تمديد تفويض عمل الوكالة من قبل الجمعية العامة بموافقة 167 دولة حتى حزيران/يونيو 2023)، يتطلب “قيادة قوية وأخلاقية” كما جاء في رسالة التهنئة الموجهة من ساوندرز إلى لازاريني، ويتطلب كذلك جرأة غير عادية وإن أدت إلى التخلي عن المنصب من أجل القيم التي يحملها المفوض العام الجديد كخبرة لأكثر من 30 سنة بالعمل الإنساني، والعمل مع مؤسسات مختلفة تابعة للأمم المتحدة وفي مناصب قيادية مختلفة.

ويبقى التحدي الحالي الأبرز؛ مسألة السعي لتوفير 14 مليون دولار لمواجهة “الأونروا” لفيروس كورونا COVID – 19 في مناطق عملياتها الخمسة والذي يهدد أكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني مسجل.

*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

بتاريخ 2020/3/23

علي هويدي

كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *