أقلام الوطن

وصول مرحلة حدها (1)

مقدمة نظرية

كمدخلٍ إلى الوضع العربي والفلسطيني

 

د. عادل سمارة
د. عادل سمارة

د.عادل سماره

 

مقدمة: تتردد في أوساط مثقفين ومفكرين وإعلاميين وساسة عبارة وصول هذا النظام او ذاك إلى حده، بمعنى أنه لم يعد بمقدوره العطاء والفعالية ولا هو قابل للتحول فيصح كتلة إنسداد مما يعني جدلياً ومنطقيا أن المجتمع غدا يعيش مرحلة أو بنية يجب أن تُزاح. ولا نقول أن هذا أمر يحدث بالمطلق ولكن تجارب التاريخ تعزز وجوب تجاوز كتلة الإنسداد هذه وما يحكم الوقت هو الزمن طال أو قصر.

في هذا الحديث القصير سأتناول مثالا من التاريخ على مسألة وصول الحد ومن ثم حصول الانتقال أو التغيير.

كيف تستنفذ المراحل نفسها:

تقوم المراحل التاريخية على البدء فالتوسع فالتفكك والانحلال فاتحة الطريق لنقيضها الذي ينمو تدريجيا في أحشائها فيتجاوزها أو يقتلها، كما تشاء أنت بتحليلك.

والانتقال من مرحلة لأخرى بمفهوم المادية التاريخية لا يقوم على خلل في الطبيعة اساساً وإن كان الصراع معها مطلقا، وإنما اساسا يقوم على دور البشر في صراعهم واستغلالهم وجشعهم المتنامي والمتعدد.

 

انتقلت مرحلة العبودية إلى الإقطاع سواء في التجربة اليونانية أو الرومانية حيث جرى إفناء كبير للعبيد الذين قتلوا في الحروب ولم تحل محلهم في الزراعة قوة عمل لتحملها حيث كانت الاستقراطية أو “الأحرار” يربأون بأنفسهم عن العمل ويعيشون على الريع وتقشيط الأمم المحتلة وخاصة في الإمبراطورية الرومانية الغربية وهي الأم. (لك أن تقرأ وضع المحتل 1967 المتعيِّش على الريع المُغدَق عليه من أعداء الشعب والأمة).

قد نسمي الحرب وباء الحرب، وهو الذي التقطه لاحقا القس العنصري روبرت مالثوس الذي أسس لوجوب التخلص من أكبر عدد ممكن من البشرية خاصة الفقراء والأمم الفقيرة بالأمراض والحروب. لكن هذا توظيف للحرب لمستوى آخر هو خدمة الطبقة المالكة المسيطرة في الغرب وبقاء نظامها وتبرير إفناء الأمم التابعة وليس من أجل التحول والانتقال المجتمعي. حيوان التجارب اليوم هي الأمة العربية مع الاعتذار.

 

مع اندثار الإمبراطورية الرومانية، تجزأت إلى بقع صغيرة أطلق عليها الإمارات الإقطاعية حيث تمكنت بقايا الارستقراطية من وضع يدها على مساحة من الأرض وغالبا بمساعدة الكنيسة الكاثوليكية وإخضاع الفلاحين كأقنان له وهم طبعاً لا يملكون أرضا ولا أدوات لاستغلالها فاصبحوا مثابة أملاك له كالدواب والأدوات. وبهذا انتقلت أوروبا الغربية خاصة من العبودية إلى الإقطاع.

 

إن تناول التجربة الأوروبية الغربية خاصة لا يعني موافقتنا على تعميمها عالميا بمعنى كل ما هو أوروبي هو عالمي ولكن تجربة الانتقال هناك من الإقطاع إلى الراسمالية مفيدة لللإضائة.

 

طبعاً الحديث هنا ليس عن آليات عمل التشكيلة الاجتماعية الاقطاعية بل عن تحولها. هناك عدة قراءات لعوامل تفككك الإقطاع في غرب أوروبا. وهي تختلف على تقديم أو تأخير الأسباب وليس على عملية التحول نفسها بل توفر شروط وجوب التحول.

يرى البعض وخاصة هيلتون أن أهم أسباب التفكك ومن ثم الانتقال أو التحول إلى الرأسمالية هي:

 

· اما استنزاف الثروة من قبل الطبقة الإقطاعية

· او غياب المنتجين قوة العمل التي كان يزدهر النظام بها.

بالمقابل، فإن خصم هلتون الأكبر اي بول سويزي يقلل من اهمية حاجة اللوردات للدخل وبالتالي مساهمتها أكثر من غيرها في تفكيك التشكيلة الإقطاعية، وينبه الى نمو التجارة، وخاصة بعيدة المدى، والحياة المدنية.

بالمقابل، يرد معظم(من شاركوا في كتاب: الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية . إعداد رودني هيلتون) تدهور التشكيلة الإقطاعية إلى الاستنزاف الخاص/الذاتي الذي ينسبونه إلى حروب الفرنجة خلال الفترة الحاسمة للتطور الإقطاعي بينما يشكك البعض الآخر في حاسمية هذا العامل.

مفيد التركيز على عدوان الفرنجة،

لقد قاتل الفرنجة الشرق ، وكانوا يعيشون بشكل طبيعي في الجزء الأكبر من الأرض ؛ كان الفرنجة إلى حد ما حملات نهب جلبت مكافآت مادية لرعاتهم والمشاركين ؛ وكانوا في جزء كبير منهم بدائل للحرب الإقطاعية العادية في ذلك الوقت وليس إضافات إليها.

بشكل عام يركز دوب نفسه على ان محرك تدهور الاقطاع هو حاجة الاقطاعيين للدخل مما زاد الضغط على المنتجين لدرجة لا تُحتمل الامر الذي قاد في النهاية كما أشرنا أعلاه:

· إما استنزاف الثروة من قبل الطبقة الإقطاعية

· او غياب المنتجين قوة العمل التي كان يزدهر النظام بها.

 

إبان ازدهار حقبة الإقطاع تنامى السكان عدديا، ولكن لم تكن هناك فرصة ليحوز كل امير إقطاعي على حيازة خاصة به، وهي الظروف الي أفرزت العدوان الإفرنجي (ما بين القرنين التاسع والحادي عشر) من اوروبا الغربية ضد المشرق العربي بحجة حماية قبر المسيح ومن ضمن هذه الجيوش كان المقاتلون ألأكثرشراسة “فرسان الهيكل. (هنا نتذكر التركستان والإيغور والشيشان وخراسان).

كانت هذه الحروب مثابة تفريغ وتخلص من أعداد كبيرة من الفائض السكاني لأوروبا الغربية. لكن الضربة الهائلة التي أودت بأعداد كبيرة من السكان كانت انتشار وباء الطاعون أو الموت الأسود الذي أودى بأكثر من ثلث سكان اوروبا الإقطاعية حيث حصد من كل من الأقنان والإقطاعيين.

للمقارنة،فإن نفس أوروبا هي التي تخلصت من اليهود بعد المحرقة وبالمحرقة وألقت بهم في هذا المشرق ، اي فرنجة يهو-صهيونية مجددا، بطربوش ديني وعوامل ومن أجل عوامل مادية راسمالية تماماً.ومع ذلك كثيرون منا يقرؤون ذلك كحرب دينية. يا لبؤس الوعي.

 

بين المرض والجوع هرب كثير من الأقنان من الأرض ولم تعد للإقطاعي من سلطة عليهم. كان ذلك في القرن الرابع عشر الميلادي .

ولكن، من عوامل إهلاك الأقنان كان بالطبع خضوعهم للاستغلال وسوء المعيشة حيث كان يضع الإقطاعي يده على كل شيء تاركا لهم ما لا يمنحهم صحة جيدة.

في تلك الفترة كانت التجارة في توسع على الصعيد العالمي وبموجب ذلك راكم التجار كميات كبيرة من المال وهو الأمر الذي أفرز الاستثمار في صناعات معينة احتاجت دورها إلى قوة عمل(هذا بالطبع ما ارتكز عليه سويزي في مناظرته ل هيلتون).

وبالطبع كانت قوة العمل هي بقايا الأقنان الذين لا يملكون ارضا ولا أدوات إنتاج فكان طبيعيا أن يعملوا بأجر.

وعليه، يمكن القول بان الانتقال من الإقطاع إلى الراسمالية كان لأن تلك المرحلة استنفذت نفسها وكان لا بد من تحول البشرية إلى مرحلة أخرى.

يمكن نسب هذا التحول أو وصف اسبابه إلى:

· ظهور البرجوازية مدعومة بقوة الملوك الذين تجاوزوا الإقطاع وسيطروا على مساحات اصبحت دولا قومية

· ودور طبقة اللوردات في إهلاك الفائض،

· وإلى التجارة بعيدة المدى في توفير سيولة مالية في المجتمع.

 

وبغض النظر عن ايها السبب هو الأقوى في عملية الانتقال، إلا أن أوروبا الغربية غدت في مرحلة جديدة امتدت حتى حينه.

يمكن ايجاد اسس الراسمالية في التحول في علاقات الانتاج في الارض

ولهذا حديث آخر

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أسعد الله أوقاتك د.عادل:
    هل كانت حروب الفرنجة ضد المشرق العربي فعلياً تصديراً لأزمة أو هروباً للأمام كما يقول بعض المفكرين؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *