أقلام الوطن

من سجل النكبة: للذاكرة وللأجيال: عشرة أجيال فلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني نيابة عن الأمة..!

ما أعظم وما أروع فلسطين في مسيرتها الكفاحية المفتوحة المليئة بالهبات والانتفاضات والثورات والتضحيات…!

 

 

نواف الزرو

نواف الزرو*

 

 

            أخذت في الآونة الأخيرة، ومنذ اطلاق صفقة القرن على وجه التحديد، تحتدم الاسئلة والتساؤلات والحوارات حول ما ينشر اسرائيليا وامريكيا حول:الفلسطيني الجديد وفلسطين الجديدة، وأخذ الكثيرون من المحبطين والمشككين والتائهين يتساءلون حول صفقة القرن وسطوتها(بفعل السطوة الأمريكية والصهيونية والعربية الموالية):

-هل يا ترى ستنفذ صفقة القرن رغما عن الجميع وخاصة رغما عن الفلسطينيين لو رفضوها…؟.

-وهل سيتمكنون من صناعة الفلسطيني الجديد بمواصفاتهم-اي الفلسطيني الخانع المستسلم المدجن القابل بالحل الاقتصادي على حساب الحقوق الوطنية…؟!

-وهل سيتمكنون من إقامة-صناعة فلسطين الجديدة كما يشيعونها في غزة وجزء من سيناء…!؟

-أم هناك إمكانية لإفشالها وكيف يمكن إفشالها واسقاطها…؟.

اسئلة كبيرة وصعبة لان من وراء الصفقة تحالف كبير وخطير ومرعب من الدول الكبرى والاقليمية- العربية ، فكيف للشعب العربي الفلسطيني مواجهة مثل هذا التحالف الخطير….؟.

شخصيا ألخص هنا رأيي بالتالي:

 اولا: يجب الايمان والاقتناع بان الصفقة ليست قدرا لا راد له، وإنما هي تتويج لمسلسل طويل من الصفقات والمؤامرات الاستعمارية الصهيونية منذ أكثر من قرن من الزمن وما زال الصراع مستمرا والشعب العربي الفلسطيني لم يهزم….!

ثانيا: يجب الإيمان بقدرة الشعب الفلسطيني ومن ورائه الشعوب والقوى العروبية الحية وراءه على هزيمة وافشال الصفقة بالصمود والنفس الطويل.

ثالثا: الإيمان بالجيل الفلسطيني الجديد…الجيل المنتفض الثوري الشجاع والجريء الذي لا يهاب المواجهة حتى الشهادة.

رابعا: الإيمان بأن الاشتباك ما بيننا كأمة عربية وما بين المشروع والاحتلال الصهيوني إنما هو اشتباك تاريخي مفتوح حتى هزيمة المشروع الصهيوني…وهنا تأتي أهمية الإيمان بالجيل الفلسطيني الجديد الذي وصفه عدد كبير من الكتاب والمحللين والمؤرخين وحتى الجنرالات الصهاينة بأنه جيل فلسطيني عصي على الكسر”.

وعن دور هذا الجيل الفلسطيني الجديد-لشاب- في هذا الكفاح بل وفي المقاومة و الانتفاضات، هناك زخم هائل من التقارير والمعطيات التي تتحدث عنهم وعن بطولاتهم وروحيتهم الاستشهادية، فالذي يحمل سكينه ويتوجه للجنود أو المستوطنين المسلحين ليهاجمهم وليطعنهم، فإنه يعرف مسبقا أنه متوجه للموت حتما، فيحمل روحه على كفه بمنتهى الجرأة والإقدام، وفي ذلك جاء في تقرير وصفي لهم:” انهم ولدوا من رحم انتفاضة الأقصى، وقد تسموا بأسماء شهداء الانتفاضة تيمناً ببطولاتهم وتضحياتهم، ترعرعوا على أنموذجين في الساحة الفلسطينية؛ أنموذج قهر المحتل وإجرامه منقطع النظير، وأنموذج البطولة والتضحية الذي يرفع الهمم ويؤجج نار الثأر والثورة في صدورهم”. وجاء في وصفهم أيضا: “أن هذا الجيل لم يرَ الذل، ولم يعرف المحنة ولم تقهره السجون “صهيونية أو فلسطينية”، فقلبه قوي وجنانه شديد لم ينكسر، واثق معتد بنفسه، ثابت راسخ القلب، جيل فتح عينيه بعد الحلم على حروب الاحتلال العدوانية على الشعب الفلسطيني وعلى المعارك اليومية، وهذا الجيل هو من يصنع الثورة والانتفاضة، وهو جيل النخبة في غزة، وهو جيل الطعن في القدس والضفة، جيل لا يعرف الحسابات، ولا يتردد”.

الى ذلك، ووفق الوثائق والصحف والشهادات المختلفة فان الجيل العربي الفلسطيني الخامس هو الذي يقف اليوم منتفضا في مواجهة الاحتلال الصهيوني، مواصلا الاجيال العربية الفلسطينية الاربعة التي سبقته في الميدان منذ نحو اثنين و سبعين عاما، ولكنه يكون الجيل الفلسطيني العاشر اذا ما اخذنا في الحساب أن التصدي العربي الفلسطيني بدأ مع بدايات الاستيطان الصهيوني منذ عام 1878، مع اقامة اول مستعمرة صهيونية وهي “بيتح تكفا” على اراضي قرية الملبس الفلسطينية، ولذلك نوثق ونقول: ما أعظم وما أروع فلسطين في مسيرتها الكفاحية المفتوحة المليئة بالهبات والانتفاضات والثورات والتضحيات، هذه المسيرة التي تصدت وتتصدى للمشروع الصهيوني نيابة عن الامة العربية: عشرة أجيال متتابعة تخوض الكفاح بلا تعب أو كلل أو يأس أو استسلام، يذهب جيل ليأتي الجيل التالي بعده، والجيل الثالث فالرابع وهكذا، ليحمل الراية والرسالة والأهداف الوطنية التحررية وهاهو الجيل الخامس منذ النكبة والعاشر منذ نحو قرن وأربعين عاما كاملة، هو الذي يحمل الراية ويقود التصدي في الميدان في مواجهة جيش ومستعمري الاحتلال، ليضيف ملحمة كفاحية أخرى إلى جملة الملاحم التي سطرها الشعب العربي الفلسطيني في مواجهة الصهاينة الغزاة ..

إسرائيليا، وعن هذا الجيل الفلسطيني، كشفت مجلة “إسرائيل ديفينس” العسكرية العبرية عن مفاجأة مفادها”أجهزة الأمن الإسرائيلية تواجه ورطة كبيرة، بالنظر إلى أن الهجمات التي ينفذها الفلسطينيون في الوقت الراهن تختلف كثيرا عن سابقاتها في السنوات الماضية، حيث تتمييز بروح تضحية عالية غير مسبوقة”، وأضافت المجلة في تقرير لها “أن جهاز الأمن الإسرائيلي العام “الشاباك” أصدر تقريرا حول العمليات الفلسطينية الحالية أظهر أن منفذي هذه العمليات “نوعية جديدة من الشباب الفلسطينيين الذين يتمتعون بروح تضحية عالية”.

             وأكدت الكاتبة الإسرائيلية عميره هاس في صحيفة هأرتس على ذلك قائلة:” أن المواجهات المستمرة في الأراضي الفلسطينية، يقف خلفها جيل جديد من الفتيان والشبان الفلسطينيين الذين فقدوا كل أمل في اتفاق أوسلو “، وتحت عنوان”جيل لا يخافنا” كتب نوعم أمير في معاريف يقول:”لقد نشأ هنا جيل لا يتذكر السور الواقي ولا يخاف”.

       وربما يلخص لنا الكاتب الاسرائيلي المناهض لسياسات الاحتلال العنصرية ضد الفلسطينيين، جدعون ليفي هذه الحقيقة المشار اليها أعلاه، حينما كتب في هآرتس قائلا: يبدو أنّ الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليهم الغانيات وبنات الهوى، وقلنا ستمرّ بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجّر انتفاضة الـ 87… أدخلناهم السجون وقلنا سنربّيهم في السجون وبعد سنوات، وبعد أنْ ظننا أنهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000، أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة.وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية، حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصناعي عاموس ويدخلون الرعب إلى كلّ بيتٍ في إسرائيل، عبر بث التهديد والوعيد، كما حدث حينما استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الثانية، خلاصة القول، يبدو أننّا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال.

    وخلاصة القول عن الشباب والفتيات الفلسطينيين والفلسطينيات: “أن الفكرة الأهم في هذه الإنتفاضات المستمرة، أنها كسرت فكرة أن هناك جيلا فلسطينيا يهزم، لأن الإسرائيلي منذ العام 1948 راهن على كسر إرادة الأجيال الفلسطينية، وفي كل مرة كان هنالك جيل يفاجئه ويطلق ثورة من نوع خاص، ترسّخ بقاء المقاومة في البيئة الفلسطينية وتحبط الإسرائيليين…الإسرائيليون راهنوا على أن الجيل الفلسطيني الجديد هو جيل “أوسلو”، لكن العدو الإسرائيلي فوجئ بأن هذا الجيل يقاوم بكل ما أتيح له من قوة، ولا ينتظر أن يمتلك أدوات مميزة ليقاوم”.

وفي تطورات هذا المشهد الفلسطيني الكفاحي  المتصل عبر الأجيال، يظهر دور الطفل الفلسطيني في الميدان، كما يظهر دور المرأة والفتاة والطفلة الفلسطينية في الميدان الفلسطيني، فهناك الشهيدات وهناك الاسيرات في معتقلات الاحتلال، ليصبح هؤلاء الأطفال أيقونة الكفاح الشعبي الفلسطيني ورمزا للجيل الفلسطيني الشاب الجديد الذي لا يهزم ولا يكسر أمام عنجهية وقمعية الاحتلال…!

ننحني احتراما وإجلالا  للجيل الفلسطيني الصاعد الذي يخشاه الاحتلال وتتحدث وسائل إعلامه عن جيل لا يهاب الموت ابدا…؟!.

فهذا هو الفلسطيني الجديد الحقيقي، وتلك هي فلسطين الجديدة التي سيبنيها هذا الجيل الجديد بقوة الإيمان والمقاومة والتحرير.

 

[email protected]

نواف الزرو

-اسير محرر امضى احد عشر عاما في معتقلات الاحتلال الاسرائيلي ، حكم بالمؤبد مدى الحياة عام 1968 وتحرر في اطار صفقة تبادل الاسرى عام 1979 . - بكالوريوس سياسة واقتصاد/جامعة بير زيت-دراسة من المعتقل. - كاتب صحفي وباحث خبير في شؤون الصراع العربي - الصهيوني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *