تحاليل و تقارير ساخنه

عروبة القدس…..تاريخيّاً وقانونيّاً

نعيد نشر هذه المحاضرة لأهميتها.

ولان تهويد القدس مشروع صهيوني جديد قديم.

محاضرة للدكتور غازي حسين* بتاريخ 22/8/2007م في المركز الثقافي بمنطقة العدويّ بدمشق

 

د. غازي حسين
د. غازي حسين

 

مقدّمة

تسعة وخمسون عاماً مرّت على احتلال الشطر الغربيّ من القدس، وأربعون عاماً مرّت على احتلال الجزء الشرقيّ من مدينة الإسراء والمعراج، وثمانية وثلاثون عاماً مرّت على إحراق المسجد الأقصى المبارك.

واليوم تتعرض التلّة التاريخيّة في باب المغاربة للتدمير والتهويد ويتعرّض أهل القدس إلى مصادرة أراضيهم ومنازلهم وتهويدها وسحب هويّاتهم وإلى الحصار الاقتصاديّ لتفريغ المدينة من سكّانها العرب وإسكان المستعمرين اليهود مكانهم، وإكمال بناء الأحياء والمستعمرات اليهوديّة، والاستمرار في الحفريّات تحت أساسات المسجد الأقصى لتدميره وتحويلها إلى مدينة يهوديّة أمام أنظار البلدان العربيّة والإسلاميّة.

ويجري في الوقت نفسه تقسيم بقيّة الضفة الغربيّة إلى كانتونات (معازل عنصريّة) محاصرة بجيش الاحتلال “الإسرائيليّ” والمعابر على الحدود مع مصر والأردن وحوالي 800 من الحواجز العسكريّة، وبجدار الفصل العنصريّ مع تشديد الحصار والمقاطعة وعمليّات الاغتيال والتدمير والاجتياحات المستمرّة لقطاع غزة. وبالتالي يخضع الشعب الفلسطينيّ بأسره إلى العقوبات الجماعيّة والاعتقال في أكبر معسكرات الاعتقال في أيّامنا هذه وإلى الهولوكست منذ عام 1948م وحتّى يومنا هذا.

ويتعرّض المسجد الأقصى إلى خطرٍ حقيقيّ لتدميره وبناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه. كلّ ذلك يجري أمام أعين جميع حكّام العرب والمسلمين ولا يحرّكون ساكناً ضدّ الغزاة اليهود خشيةً من غضب اليهوديّة العالميّة والولايات المتّحدة الأمريكيّة، بل يغضّون الطرف عن الاغتيالات اليوميّة لرجال المقاومة الفلسطينيّة والمنيّين الفلسطينيّين.

وإذا استعرضنا سنوات الاحتلال نجد أنّ الشعب الفلسطينيّ اعتمد على خيار المقاومة، مقاومة الغزاة المحتلّين، وهو أعزل من السلاح ومسلّح بالإيمان بربّه ووطنه، فأشعل الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) وقابل ويقابل طائرات الفانتوم 16 ومروحيّات الأباتشي والدبابات والمدافع والرصاص بصدوره العارية وبالحجارة. وتحمّل دفن المقاومين وهم أحياء وتكسير العظام والحصار والجوع والمرض وعذابات الاعتقال والمعابر والحواجز، بينما المسؤولون العرب لا يفعلون شيئاً إلا الهرولة إلى التطبيع واستقبال حكّام “إسرائيل” وتقديم التنازل تلو التنازل عن عروبة فلسطين والحقوق الوطنيّة لشعبها العربيّ وإقامة حلف المعتدلين بقيادة الولايات المتّحدة وعضويّة “إسرائيل” العدو الأساسيّ للعرب والمسلمين والعروبة والإسلام.

إنّ رفض العدوان والاحتلال والغزو هو من طبيعة الشعب العربيّ الذي استمدّها من تراثه العريق الذي يعود إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد والضاربة في أعماق الأرض والإنسان، وتمكّن من طرد الغزاة والطغاة على مدى التاريخ، وبقيت فلسطين وعاصمتها القدس عربيّة الطابع الديمغرافيّ والحضاريّ، عربيّة السكّان واللسان والحضارة حتّى إبّان الغزو الصليبيّ لها.

ونظراً لتقصير الحكّام بحقّ عروبة القدس يقع على عاتق الشعوب العربيّة والإسلاميّة واجب تحريرها والحفاظ على وجهها الحضاريّ العربيّ الإسلاميّ وإنقاذها من التهويد باعتماد خيار المقاومة وتعزيز ثقافتها. 

عروبة القدس في التاريخ 

تؤكّد كتب التاريخ وعلم الآثار أنّ العرب أسّسوا مدينة القدس قبل ظهور اليهوديّة بحوالي (3000 ق. م.)، وسمّوها “يبوس” و”أوروسالم” نسبةً للملك “سالم” ومنه جاء اسمها الحالي “جيروساليم”.

وجاء الاسم “أورشليم” الذي يطلقه اليهود على المدينة من الآراميّة (السريانيّة) وبالتالي فإنّ هذا الاسم كلمة عربيّة وليست عبريّة.

تعاقبت على المدينة بعد تأسيسها أمم شتّى، وفتحها المسلمون لأسبابٍ دينيّة واستراتيجيّة بعد انتصارهم على الرومان في معركة اليرموك. وطلب أهلها الصلح والأمان على أنْ يتولّى ذلك الخليفة عمر بن الخطّاب –رضي الله عنه-.

وصل الخليفة عمر إلى القدس ووقّع العهدة العمريّة لبطريرك المدينة “صفرونيوس” الدمشقيّ. وضمنها شرطٌ بِناءً على طلب البطريرك وهو ألا يسكن اليهود فيها.
حافظت على طابعها العربيّ الإسلاميّ حتّى جاء احتلال الفرنجة لها إبّان الحروب الصليبيّة، الذي دام مائتيْ سنة، و استعادها صلاح الدين الأيّوبيّ منهم سنة 1187م، ودخلها العثمانيّون سنة 1517م. وأعاد السلطان سليمان القانونيّ بناء سور المدينة وبنى المسلمون العديد من القباب والمآذن والأروقة والأبواب والسبل في صحن الصخرة المشرّفة وبجوارها وفي داخل الحرم الشريف وحوله.

وبنى المسلمون في مختلف العهود الإسلاميّة مساجد بلغت (34) مسجداً معظمها داخل المدينة القديمة وعدداً كبيراً من الزوايا يؤمّها الحُجّاج من مختلف البلدان الإسلاميّة، كالزاوية النقشبنديّة للحجّاج القادمين من أوزبكستان، و زاوية الهنود للحجّاج القادمين من الهند، والزاوية القادريّة للحجّاج القادمين من أفغانستان، ولكلّ زاوية أوقاف ومسجد وغرف للنوم.

وأنشأ المسلمون مدارس لطلب العلم، بلغ عددها (56) مدرسة للمسلمين من أهل المدينة ومن المشرق والمغرب، وأصبحت المدينة غنيّة بالأبنية والنقوش والزخارف الإسلاميّة والقناديل النادرة التي لا مثيل لها على الإطلاق.

وخصّها الله بإسراء رسوله محمد –صلّى الله عليه وسلّم- وقال في كتابه العزيز: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله”.
ورُوِيَ عن النبيّ قوله: “إنّ الله تعالى خصّ فلسطين بالتقديس”، وجعلها النبيّ محمد –صلّى الله عليه وسلّم- قبلة المسلمين الأولى وثالث الحرمين الشريفيْن.

وبنى الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان مسجد الصخرة، ونقش اسمه على قبّة الصخرة المشرّفة مع تاريخ البناء سنة 72هـ.

وتعتبر قبّة الصخرة والمسجد الأقصى من أهمّ وأقدم المعالم العربيّة الإسلاميّة في المدينة. وتُعَدّ جزءاً أساسيّاً من التراث الإسلاميّة ومن أكثره قدسيّةً.

أقام الدمشقيّون قبّة الصخرة المثمّنة والمذهّبة، واستخدمت أموال سبع سنوات من خراج مصر لإقامتها. أمّا تخطيط المسجد الأقصى المبارك الذي نراه اليوم فهو هندسة عبّاسيّة بغداديّة. ورمّم الأيّوبيّون حيطان الحرم، وجهّز الأتراك الكسوة بالقاشاني الملوّن على أرضيّة زرقاء، وبنوا سور المدينة القديمة، مّما يجسّد بجلاء مساهمة الأمة الإسلاميّة في بناء المسجد الأقصى وقبّة الصخرة وساحة الحرم في القدس القديمة، والمحافظة على تاريخها الإسلاميّ العريق وطابعها الحضاريّ. فتأسيس القدس وتاريخها يثبت بجلاء أنّها مدينة عربيّة إسلاميّة، وازدهرت في العهود الإسلاميّة، فهي بحكم التأسيس والبناء والتاريخ والواقع والطابع الحضاريّ مدينة عربيّة إسلاميّة.

حكم المسلمون مدينة القدس ثلاثة عشر قرناً، وكانت اللغة العربيّة، لغة القرآن الكريم، هي السائدة، حتّى إبّان الحكم العثمانيّ. فالحضارة التي عرفتها القدس ترجع إلى فترة الحكم الإسلاميّ فيها. كان سكّان المدينة عرباً لساناً وحضارةً. واليهود طارئون على المدينة، استوطنوا خارجها. وتعتبر الآثار المسيحيّة ذات أهميّة بالغة لأنّها آثار السيّد المسيح والحواريّين والشهداء، ولا مثيل لها في أيّ بقعةٍ من بقاع العالم، ومنها: كنيسة القيامة، وطريق الآلام وما شُيّدت فيه من كنائس. فالمدينة القديمة مليئة بالمساجد والكنائس والمدارس والزوايا والمقابر، وأسندت حراسة كنيسة القيامة –وهي أعظم المقدّسات المسيحيّة في العالم- إلى أُسرتيْن مسلمتيْن مقدسيّتيْن ومعهما مفاتيح الكنيسة، ويحجّ إليها المسيحيّون في كلّ عام.

وكان رؤساء بلديّة القدس خلال مائة السنة الأخيرة قبل احتلال اليهود لها عرباً حتّى إبّان الانتداب البريطانيّ على فلسطين.

وللمسجد الأقصى المبارك مكانةٌ عظيمة ومنزلة كريمة في نفوس ومشاعر المسلمين، ويحظى باهتمامهم عبر العهود المختلفة وحتّى اليوم. وتعتبر ذكرى الإسراء والمعراج ذكرى إسلاميّة عزيزة ومباركة يحتفل بها المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، يستذكرون فيها سيرة النبيّ –صلّى اله عليه وسلّم- في دعوته وعبادته وجهاده وأخلاقه ومكانته عند ربّه.

وأضافت رحلة الإسراء والمعراج إلى القدس والمسجد الأقصى قدسيّةً على قدسيّتها وأكّدت مكانتها الروحيّة والدينيّة لدى المسلمين.

إنّ معجزة الإسراء والمعراج قرارٌ ربّانيّ يتعدّى التاريخ والجغرافيا، يربط بين المسجد الحرام بمكّة المكرّمة والمسجد الأقصى بالقدس أرضاً وسماءً وأمّةً. فالمسجد الأقصى المبارك قبلتنا الأولى، وثاني بيتٍ وُضع في الأرض بعد المسجد الحرام، وثالث المساجد التي تُشدّ إليها الرحال، وثالث الحرميْن الشريفيْن.

وذكرى الإسراء والمعراج هي من المناسبات الدينيّة التي يحتفل بها جميع المسلمين وإحدى الركائز التي توحّد الأمّة الإسلاميّة. و نستذكر من خلالها دروس الماضي والعمل على رصّ الصفوف من أجل تحرير القدس والمقدّسات وفلسطين. وتذكّرنا بواجباتنا تجاه الدين وتجاه القدس ومقدّساتها الإسلامية والمسيحيّة.

شاءت إرادة الله –عزّ وجلّ- إسراء هادي البشريّة من مكّة المكرّمة إلى المسجد الأقصى ومعراجه من الأقصى إلى السماوات العلا وتلقّيه في تلك الرحلة ما فرضه الله على المسلمين وهي الصلوات الخمس، الركن الثاني من أركان الإسلام، ليبقى المسجد الأقصى حيّاً في أذهان الأمّة الإسلاميّة. 

الأطماع اليهوديّة في القدس

احتلّ داوود إحدى التلال في مدينة القدس العربيّة، ولم تحظَ بأيّ قدسيّة دينيّة لديهم. ولكن عندما بنى سليمان هيكله فيها أصبحت رمزاً للتعبّد. واستغلّوا التعبّد فيما بعد كي يبرّروا وجودهم في المدينة.. وركّز كتبة التوراة خلال السبي البابليّ على أهميّة الهيكل ودوّنوا فيها: “إنّ سليمان الذي كان قد تزوّج بألف امرأةٍ وضع نساؤه أصناماً وآلهةً وثنيّة في هذا الهيكل يعبدونها كلٌّ على طريقتها ومعتقدها، ولم يكنْ هذا الهيكل معبد توحيد بل كان معبداً وثنيّاً ليس أكثر”.

وركّزت الطقوس الدينيّة في الهيكل إبّان عهد سليمان على تقديم الأضحيّة والذبائح باعتبار أنّها جزءٌ لا يتجزّأ من الإيمان، مما حدا بكتبة التوراة انتقادها بعنف، حيث جاء في سفر أشعيا (11-14) ما يلي: “يقول الرب ما فائدتي من كثرة ذبائحكم؟ شبعت من محرقات الكباش وشحم المسمّنات. دم العجول والكباش والتيوس ماعاد يرضيني”.

وصف أحد اليهود هيكل سليمان في مواسم الأعياد وتقديم الضحايا وقال: “وإذا الهيكل من الداخل يقوم عندها مشهدٌ فظيع بالغ الذهول، وسط الهرج والمرج وصخب الحيوانات المذعورة التي يتقاطع منها ويختلط فيها ثغاء الحملان وخوار البقر، مع الصراخ والأصوات الشعائريّة، وتعزيمات السحر وعزيف الأبواق المرعدة، وإذا بالمذبح (هيكل سليمان) يصبح مسلخاً، الدم يسيل في كلّ مكان”.

فهل يُعقل أنْ يطالب اليهود البشريّة ببناء هيكل سليمان من أجل إحياء تلك الشعائر الهمجيّة؟.. وضّح “يشليهو ليبوفيتس” استغلال “إسرائيل” الخرافات اليهوديّة لتبرير تهويد القدس، وقال: “إنّ التبجّح بأنّه لا يمكننا التنازل عن سيادة دولة إسرائيل على جبل الهيكل بسبب مكانته المقدّسة ليس إلا نفاقاً سياسيّاً مغلّفاً بقناعٍ دينيّ قوميّ.. إنّ الطقوس التي تُقام حول حائط المبكى وكهف الخليل هي طقوسٌ وثنيّة، إنّها فلكلور بدائيّ مخجل. إنّ هذه الأماكن المقدّسة مزيّفة، هذا أمرٌ مؤكّد. ليس لحائط المبكى أيّ قيمة في نظري. لقد أصبح اليوم بمثابة مرقصٍ دينيّ قوميّ. وكذلك الشأن بالنسبة إلى جبل الهيكل، وليس ما أقوله كفراً، فالهيكل اختفى منذ ما يزيد عن ألفٍ وتسعمائة وعشرين سنة”.

عندما يعود المرء إلى أسفار موسى الخمسة لا يجد فيها أيّ أثرٍ على اعتبار القدس مكاناً مقدّساً لليهود. لقد حوّل القادة الصهاينة الدين و حاخاماته إلى سلاحٍ حادّ في خدمة المشروع الصهيونيّ والاستعمار الاستيطانيّ اليهوديّ في فلسطين العربيّة. و يهدفون من دفع الاستيطان إلى مرتبة القداسة الدينيّة إلى استخدام الدين كسلاحٍ لسلب الفلسطينيّين -سكّان فلسطين الأصليّين وأصحابها الشرعيّين- حقّهم في وطنهم، وتسخير الدين في خدمة الأطماع الاستعماريّة، السياسيّة والاقتصاديّة لدولة اليهود وفرض هيمنة اليهوديّة على البلدان العربيّة والإسلاميّة وعلى بقيّة بلدان العالم.

صنع اليهود أهميّة بالغة لمدينة القدس ورسخوها في نفوسهم ونفوس مؤيّديهم بسبب موقعها الاستراتيجيّ ومكانتها الدينيّة والسياسيّة لدى المسلمين والمسيحيّين وأهميّتها الاقتصاديّة لتحقيق المزاعم والأطماع الصهيونيّة، ولإذلال العرب والمسلمين وإخضاعهم والسيطرة على ثرواتهم.

خطّطت الحركة الصهيونيّة منذ تأسيسها لتهويد الأماكن الإسلاميّة والمسيحيّة في القدس حيث كتب تيودور هرتزل قبل تأسيس الكيان الصهيونيّ بخمسين عاماً يقول: “إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأيّ شيءٍ فسوف أزيل كلّ شيءٍ ليس مقدّساً لدى اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مرّت عليها قروناً”.

وجاء في دائرة المعارف اليهوديّة تحت كلمة الصهيونية: “إنّ اليهود يبغون أن يجمعوا أمرهم وأنْ يذهبوا إلى القدس ويتغلّبوا على قوّة الأعداء وأنْ يعيدوا العبادة إلى الهيكل ويقيموا مملكتهم هناك”.

ويزعم قادة الحركة الصهيونيّة ومنهم “كلاوزنر”، “أنّ المسجد الأقصى القائم على قدس الأقداس في الهيكل إنّما هو لليهود”. 

اليهود وتدمير المسجد الأقصى المبارك 

تسخّر اليهوديّة العالميّة، “الماسونيّة، وشهود يهوه، والأصوليّة المسيحيّة، والمحافظين الجدد، والكنائس الإنجيليّة في الولايات لمتّحدة والكونجرس الأمريكيّ والرئيس بوش”، لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه. فالماسونيّة تعمل على بناء الهيكل الذي تعتبره الرمز لعزّة “إسرائيل”، وتأتي في المرتبة الثانية الصهيونيّة لتحقيق هذا الهدف. وتؤمن الماسونيّة الأوروبيّة أنّ روحها هي روح اليهوديّة في معتقداتها الأساسيّة. وتتضمّن دائرة المعارف الماسونيّة الصادرة في فيلادلفيا عام 1906م أنّه: “يجب أنْ يكون كلّ محفل ماسونيّ رمزاً لهيكل اليهود. ويقرأ جميع الحاضرين من الدرجة 33 في المحافل الماسونيّة: سنعود إلى عهد سليمان بن داوود ونبني الهيكل الأقدس، ونقرأ فيه التلمود، وننفّذ كلّ ما جاء في الوصايا والعهود، وفي سبيل مجد إسرائيل نبذل كلّ مجهود”.

وتدعم الكنائس البروتستانتيّة التي ظهرت في الولايات المتّحدة في القرن العشرين الأكاذيب والمطامع اليهوديّة في المقدّسات الإسلاميّة. ويتّفقون مع اليهود على ضرورة تدمير المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان على أنقاضه. وتعمل جمعيّة بروتستانتيّة وهي مؤسسة “هيكل القدس”، ومقرّها مدينة “دنفر” الأمريكيّة، بالعمل جنباً إلى جنب ويداً بيد مع اليهود المتعصّبين في القدس من أجل تحقيق هذا الهدف الإرهابيّ المشترك: وهو السيطرة اليهوديّة على المسجد الأقصى.

وأعرب رئيس الجمعيّة “تيري ديزنهوفر” عن أمله باستعادة موقع الهيكل المزعوم –أي المسجد الأقصى المبارك-. وادّعى أنّ دوافعه دينيّة وليست سياسيّة. وتحدّث عن الإسلام بازدراء وقال: “إنّ الدين الإسلاميّ ليس عدوّاً لليهوديّة فحسب، بل هو عدوّ للديانة المسيحيّة أيضاً”.

وعبّر “جيرشون سالمون”، زعيم عصابة “الأمناء لجيل الهيكل”، عن الأطماع اليهوديّة في المسجد الأقصى قائلاً: “إنّنا لن نوقف نشاطنا إلى أنْ يتحقّق هدفنا في الاستيلاء على جبل الهيكل وسيطرة اليهود عليه”.

ووصلت الأطماع الوحشيّة اليهوديّة حدّاً طالب فيه “بن غوريون”، مؤسس “إسرائيل”، في كلمةٍ ألقاها في مركز “رافي” في العشرين من حزيران عام 1967م بهدم سور القدس التاريخيّ للأسباب التالية:
“أولاً: لأننا نريد قدساً واحدةً، لا اثنتين يهوديّة وعربيّة.
ثانياً: يجب هدم السور فهو غير يهوديّ، إذْ بناه سلطانٌ تركيّ في القرن السادس عشر.
ثالثاً: سيكون لهدم السور قيمة سياسيّة عالمية، إذْ عندها سيعرف العالم أنّ هناك قدساً واحدةً يمكن أن تعيش فيها أقليّة عربيّة”.

الجنرال البريطانيّ يصوّر احتلاله للقدس بنهاية الحروب الصليبيّة:
في الثامن من كانون الأول عام 1917م، دعا متصرّف القدس التركيّ أعيان المدينة ورؤساء الطوائف الإسلاميّة والمسيحيّة إلى مقرّه، وابلغهم أنّ الدولة التركيّة قرّرت الانسحاب من القدس دون قتال، وذلك لتجنيب المدينة المقدّسة وأهلها ويلات الحرب، وعدم تعريض الأماكن المقدّسة العظيمة فيها إلى أيّ أذى أو ضرر. وطلب منهم تشكيل وفدٍ لتسليم المدينة إلى القوّات البريطانيّة صباح اليوم التالي، أيْ في 9/12/1917م، حيث تكون القوّات التركيّة والألمانيّة قد أتمّت انسحابها من المدينة.

أعرب المجتمعون عن شكرهم العظيم لمبادرته النبيلة، واختاروا وفداً برئاسة رئيس البلديّة لتسليم القدس. توجّه الوفد يتقدّمه شابٌ يرفع العلم الأبيض إلى موقع القوّات البريطانيّة حيث تمّت عمليّة التسليم، ودخل الجيش البريطانيّ المدينة, وخرج أهلها عن بكرة أبيهم لاستقباله بحماسٍ كبير، ظنّاً منهم أنّه جيش صديقتهم بريطانيا، ولكنّهم لم يكونوا يعلمون أنّ بريطانيا العظمى قد خانت وعودها وعهودها للشريف حسين، وتعهّدت لليهود بإعطائهم فلسطين بموجب وعد بلفور، وتمزيق الدولة العربيّة بموجب معاهدة سايكس-بيكو واقتسامها بينها وبين فرنسا.

وجّهت القيادة البريطانيّة دعوةً إلى العلماء والأعيان وممثّلي العشائر والقرى للاجتماع بالجنرال اللنبي. وعندما بدأ بإلقاء خطابه قابله الحضور بالتصفيق، ولكن سرعان ما سيطر عليهم الوجوم والاستياء من الغطرسة والوقاحة واللهجة القاسية التي وردت في الخطاب. وغضبوا لعدم إشارته بكلمةٍ واحدة إلى العرب ودورهم في إحراز النصر, وتطرّق في خطابه إلى الحروب الصليبيّة واحتلال القدس خلالها، واختتمها بقوله: “واليوم انتهت الحروب الصليبيّة”.

انفجر الحضور بالغضب وانسحب مفتي القدس وغادر المكان غاضباً دون أنْ يصافح الجنرال اللنبي، ولحق به الكثيرون من الحضور وهم يردّدون عبارات الاحتجاج على ما قاله الجنرال البريطانيّ، الذي كشف عن تآمر بريطانيا مع اليهود وخيانتها للعرب ونكوثها بالوعود الرسميّة التي أعطتها لهم. 

حائط البراق وقفٌ إسلاميّ.. 

حاول اليهود في آب 1929م الاستيلاء على حائط البراق، أي الحائط الغربيّ للحرم القدسيّ الشريف، بحجّة أنه جزءٌ من هيكل سليمان، فتصدّى العرب لهم واشتعلت ثورة البراق. وعرضت حكومة الانتداب على إثر ذلك القضيّة على عصبة الأمم. وتشكّلت لجنة دوليّة للتحقيق في ملكيّة الحائط. وجاء في قرارها الصادر في كانون الأول عام 1930م ما يلي:

أولاً: للمسلمين حقّ الملكيّة وحدهم دون منازعٍ في امتلاك الحائط الغربيّ (البراق) كجزءٍ لا يتجزّأ من منطقة الحرم الشريف.
ثانياً: تعود ملكيّة الساحة أمام الحائط الغربيّ للمسلمين أيضاً، وكذلك حيّ المغاربة المجاور والمقابل له الذي يُعتبر وقفاً ثابتاً وفق الشريعة الإسلاميّة، ويعود ريعه للأعمال الخيريّة.
ثالثاً: يحقّ لليهود الوصول بحريّة إلى البراق لأغراض العبادة في جميع الأوقات، على أنْ يخضع ذلك لشروطٍ معيّنة.

وبالتالي جاء قرار اللجنة الدوليّة ليؤكّد بجلاء أنّ حائط البراق، أيْ ما يسمّيه اليهود بحائط المبكى، وقفُ إسلاميّ لا علاقة له بهيكل سليمان ولا يمتّ لليهود بصلة.

وسمح المسلمون بدافعٍ من تسامح الدين الإسلاميّ ليهود بالبكاء وقوفاً أمام حائط البراق منذ عام 1930م تطبيقاً لقرارات اللجنة الدوليّة.

ووُضِع قرار اللجنة الدوليّة كوثيقة رسميّة من وثائق مجلس الأمن الدوليّ بتاريخ 23/2/1968م تحت رقم س/8427/أو 10.

نصّ قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الأمم المتّحدة عام 1947م على الوضع القانونيّ لمدينة القدس ككيانٍ منفصل تحت نظامٍ دوليّ خاصّ تشرف عليه الأمم المتّحدة. وتضمّن القرار بنوداً خاصّة لحماية جميع الأماكن المقدّسة وعدم المساس بالحقوق المكتسبة فيها.

ولكن الأمم المتّحدة فشلت في حماية القدس ومواطنيها والأماكن المقدّسة فيها تطبيقاً للقرار بسبب الأطماع والإرهاب الصهيونيّ، والانحياز الأمريكيّ والأوروبيّ لليهود ومعاداتهم للعروبة والإسلام. 

احتلال اليهود للقدس الغربيّة عام 1948م 

كانت مجزرة دير ياسين الوحشيّة في 9/4/1948م والتي أباد اليهود فيها جميع سكّان القرية وعددهم (276) نسمة منطلقاً لاحتلال القدس الغربيّة ومحطّة أساسيّة للهجوم عليها.

استولت العصابات اليهوديّة المسلّحة في أيار 1948 على القدس الغربيّة، أي القدس الجديدة، وعلى الأحياء العربيّة فيها ومنها حيّ الطواري، حيّ النبي داوود، وحيّ القطمون، وحي شنلر، والبقعة التحتا والفوقا. وشرّدت حوالي (60) ألفاً من سكّان القدس الغربيّة العرب. وضمّ اليهود بعد احتلالها العديد من القرى العربيّة إليها ومنها بيت صفافا، والمالحة، وشرفات، وعين كارم، وبتير. وكان فيها العديد من قطع الأراضي للوقف الإسلاميّ والعديد من المساجد والكنائس، ممّا شكّل اعتداءً على حقوق الإسلام والمسيحيّة.

فالوجود “الإسرائيليّ” في القدس الغربيّة قام على الاحتلال والضمّ والتهويد خلافاً لمبادئ القانون الدوليّ وقرارات الأمم المتّحدة.

بنت “إسرائيل” فوق أراضي قرية عين كارم العربيّة التي ضمّتها إلى القدس المحتلة مستشفى “هداسا” والنصب التذكاريّ لضحايا النازيّة (ياد فاشيم).

وتعود ملكيّة الأراضي التي بُنيَت عليها القدس الغربيّة للعرب، حيث كانت نسبة أملاك اليهود في محافظة القدس عام 1948م حوالي 2%، بينما بلعت الملاك العربيّة 84% وأملاك الدولة 14%.

لقد أخذت العصابات اليهوديّة المسلّحة في 14/5/1948م بمجرّد مغادرة الجنود البريطانيّين للمدينة باحتلال ما بأيدي العرب من أحياء خارج أسوارها وأهم المراكز الاستراتيجيّة. ولم يبقَ للعرب من الأحياء خارج السور إلا باب الساهرة ووادي الجوز.

وأخذوا يهاجمون أبواب المدينة القديمة لاحتلالها وتعزيز حارة اليهود بداخلها، وتصدّى المدافعون العرب لهم وردّوا هجماتهم عن أسوار المدينة، وأدّى التعاون بين المجاهدين والجيش الأردنيّ إلى تطهير الحيّ اليهوديّ وصدّ محاولات احتلال المدينة القديمة. وأحكمت القوّات العربيّة بمساعدة القوّات المصريّة في الجنوب الحصار على القدس الجديدة، ممّا أدّى إلى نقص الذخائر والمؤن ومياه الشرب. فاتّخذ مجلس الأمن قراراً لوقف إطلاق النار في 22/5/1948م. وفرضت الأردن قبول الهدنة على اللجنة السياسيّة للجامعة العربيّة التي اجتمعت في عمّان بتاريخ 25/5/1948م، بحجّة أنّ الجيش الأردنيّ لا يستطيع الاستمرار في الحرب بسبب نقص المؤن والمعدّات والذخائر.
ووافقوا على أخطر خطوةٍ في تاريخ القدس بفكّ الحصار عن اليهود في القدس الجديدة الذين كانوا على وشك التسليم.

وبدأت قوافل المؤن والذخائر تتّجه من تل أبيب إلى القدس على مرأى من رجال الهدنة. ونقلوا الرجال والعتاد والسلاح وشقّوا الطرق وعزّزوا وجودهم فيها.

وقام قائد الفرقة الثالثة في الجيش الأردنيّ البريطانيّ “نورمان لاش” بعقد اتّفاقيّةٍ مع اليهود ولصالحهم في 1948/7/7م لنزع السلاح من منطقة “سكوبس” الواقعة في المنطقة العربيّة وبها الجامعة العبريّة ومستشفى هداسا، وجعلها منطقة دوليّة تحت إشراف الأمم المتّحدة، وكانت خاضعة لسلطة العرب نظراً لانقطاعها عن الاتّصال بالقدس الغربيّة المحتلّة.

اقترحت الأمم المتّحدة إعلان منطقة القدس منزوعة السلاح، ووافقت الحكومة الأردنيّة في أوائل آب على مبدأ تجريد القدس من السلاح ورفضته “إسرائيل”.

ووقّعت “إسرائيل” اتّفاقيّات الهدنة مع الدول العربيّة عام 1949م، ولكنّها صعدت اعتداءاتها على المدينة المقدّسة بهدف الاستيلاء على أكبر مساحةٍ من أراضيها. وأخذت تحتلّ المنطقة المجرّدة من السلاح بين القدس القديمة والقدس الجديدة التي احتلّتها وضمّتها للقدس المحتلة.

حاولت الأمم المتّحدة أنْ تضع القدس بكاملها تحت الإدارة الدوليّة. وأيّدها بذلك الفاتيكان والدول الكاثوليكيّة والكنائس العالميّة والدول العربيّة باستثناء الأردن. اتّخذت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في 9/12/1949م القرار رقم (303-4)، أكّدت فيه عزمها على وضع منطقة القدس تحت نظامٍ دوليّ دائم يضمن حماية الأماكن المقدّسة داخل المنطقة وخارجها، وعهدت إلى مجلس الوصاية تحقيق ذلك.

ولكنّ “إسرائيل” أعلنت رسميّاً في 11/12/1949م نقل عاصمتها من تل أبيب إلى القدس الغربيّة المحتلّة. ورفضت التدويل واعلنت الكنيست بياناً جاء فيه: “أنّ القدس جزءٌ لا يتجزّأ من إسرائيل”، وعقدت الكنيست أوّل الاجتماعات في 13/12/1949م في المدينة.

ونقل رئيس الوزراء “الإسرائيليّ” وعددٌ من الوزراء مكاتبهم في 14/12/1949م إلى القدس المحتلّة وانعقدت الكنيست فيها وأعلنت في 26/12/1949م: “أنّ القدس عاصمة إسرائيل منذ إنشاء دولة إسرائيل في 14 أيّار 1948”.

وقاد الانتصار العسكريّ الذي حقّقته “إسرائيل” عام 1948م وانقسام العرب بخصوص التدويل بين الرفض والقبول وسكوت الأمم المتّحدة على تحدّي “إسرائيل” للقرارات الدوليّة إلى تشجيع “إسرائيل” في توطيد أقدامها في القدس الغربيّة المحتلّة وفرض سياسة الأمر الواقع كمقدّمة لتهويدها ونزع طابعها العربي الإسلاميّ.

ضمّ الملك عبد الله في كانون الأول 1949م الضفّة الغربيّة بما فيها القدس الشرقيّة إلى الأردن، وحلّ البرلمان وأجرى انتخاباتٍ برلمانيّة في الضفّتيْن، وصدر في 24 نيسان 1950م القرار الأردنيّ بضمّ الضفّة الغربيّة إلى المملكة الأردنيّة واعترفت بريطانيا بالضمّ بتاريخ 27 نيسان 1950م.

استنكرت معظم الدول التي اعترفت بـ”إسرائيل” نقل وزارة الخارجيّة “الإسرائيليّة” من تل أبيب إلى القدس الغربيّة، واحتجّ مجلس الوصاية الدوليّ على الإجراءات التي اتّخذتها “إسرائيل” في القدس المحتلّة. وأحال الموضوع في شتاء 1950م إلى الجمعيّة العامّة. ولكنّ الأمم المتّحدة انشغلت في الحرب الكوريّة التي أشعلتها الولايات المتّحدة. وقدّمت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة مذكّرة بتاريخ 9/7/1952م تحذّر فيها من اعتزام نقل وزارة الخارجيّة “الإسرائيليّة” إلى القدس المحتلّة.

وأعلن الأردن عام 1959م أنّ القدس الشرقيّة العاصمة الثانية للمملكة الأردنيّة الهاشميّة. وتبلور الوضع في المدينة المقدّسة على الشكل التالي: القدس الغربيّة المحتلة عاصمة “إسرائيل” والقدس الشرقيّة العاصمة الثانية للمملكة الأردنيّة.

وعزّزت “إسرائيل” مركزها غير القانونيّ في القدس المحتلة من خلال عقد جلسات لجان الكنيست ونقل الوزارات والدوائر الحكوميّة وإعطاء التسهيلات لنقل السفارات الأجنبيّة، والتركيز على عقد المؤتمرات الدوليّة ومنح الامتيازات والتسهيلات للمستثمرين الأجانب في المدينة.

وبدات عام 1961م ببناء مقرّ الكنيست في القدس بأموالٍ تبرّع بها الملياردير جيمس دي روتشيلد وانتهى بناء المقرّ عام 1966م.

واعتبرت الدول العربيّة أنّ بناء المقرّ الجديد للكنيست جزءاً من المخطّط “الإسرائيليّ” لجعل القدس الغربيّة المحتلة عاصمةً فعليّة لـ”إسرائيل”، ممّا يؤدّي إلى تثبيت وجوده التوسّعيّ والعدوانيّ في مدينة الإسراء والمعراج، أولى القبلتيْن وثالث الحرميْن الشريفيْن، وبالتالي تكون قد سخّرت المزاعم والخرافات والأساطير الدينيّة في خدمة الأهداف الاستعماريّة لـ”إسرائيل” وإعلاناً عمليّاً صريحاً برفض تنفيذ قرارات الأمم المتّحدة وجريمة عظمى بحقّ المسلمين والمسيحيّين العرب.

وقالت الصحافة “الإسرائيليّة” عن هدف “إسرائيل” من هذه الجريمة الدوليّة النكراء بحقّ العروبة والإسلام والأمم المتّحدة: “.. إنّ تدشين الكنيست هو تدشينٌ لرمز السيادة الإسرائيليّة وعيدٌ قوميّ لإسرائيل ودليل على نجاحها في جعل القدس عاصمةً لها”.

وأكّدت الدول العربيّة أنّ افتتاح مبنى الكنيست الجديد في القدس المحتلة إساءة (وإهانة) للعرب، وأنّ حضور ممثّلي البرلمانات والدبلوماسيّين تشجيعٌ لـ”إسرائيل” على الاستمرار في تحدّي قرارات الأمم المتّحدة بشأن القدس وفلسطين.

وبالتالي تابعت “إسرائيل” مخطّطها في فرض الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوّة والعدوان والاحتلال والتهويد لانتهاك حرمة الأماكن الإسلاميّة والمسيحيّة وتغيير الوجه العربيّ الإسلاميّ لمدينة القدس الغربيّة. 

احتلال القدس الشرقيّة عام 1967م 

أشعلت “إسرائيل” في الخامس من حزيران عام 1967م حرب حزيران العدوانيّة لتدمير القوّات والمنجزات العربيّة وإقامة “إسرائيل العظمى” ولفرض الهيمنة “الإسرائيليّة” والأمريكيّة على النفط والثروات والأموال والأسواق العربيّة.

واحتلّت في السابع من حزيران مدينة القدس الشرقيّة, وأصدرت في 1967/6/11م قراراً ضمّت فيه الضفّة الغربيّة بما فيها القدس. وأصدرت الكنيست والحكومة “الإسرائيليّة” ووزير الداخليّة في 27 و28 حزيران 1967م عدّة قرارات جعلت القدس الشرقيّة جزءاً لا يتجزّأ من القدس المحتلّة.

بدأت “إسرائيل” والجرافات “الإسرائيليّة” بتغيير معالم القدس العربيّة منذ الساعات الأولى للاحتلال، لتهويدها وخلق حقائق جديدة يستحيل معها الانسحاب منها، وذلك بتدمير الأحياء العربيّة، وبناء الأحياء اليهوديّة، وسلسلة من المستعمرات التي تحيط بالقدس من جميع الجهات، وتحويل سكّانها العرب إلى أقليّة، وخلق التواصل بين بلديّة القدس الكبرى والمستعمرات اليهوديّة حولها.

ضمّت “إسرائيل” صور باهر، والشيخ جرّاح، و مطار قلنديا، وجبل سكوبس، ومنطقة شعفاط إلى القدس الغربيّة المحتلّة عن طريق استخدام القوّة والاحتلال وفرض الأمر الواقع خلافاً لمبادئ القانون الدوليّ.

وأخذت تعمل على تغيير معالم المدينة العربيّة وتهويدها تحت شعار كاذب، ومضلّل، وهو إعادة توحيد المدينة.

أقام وزير الحرب “الإسرائيليّ” موشي دايان بعد احتلال القدس مباشرةً الصلاة أمام حائط البراق، أيْ الحائط الغربيّ من سور المسجد الأقصى، وهو وقْفٌ إسلاميّ، ويزعم اليهود أنّه حائط المبكى.

وعقد عددٌ من حاخامات اليهود في العالم اجتماعاً في القدس طالبوا فيه ببناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى وردّ عليهم وزير الأديان “الإسرائيليّ” آنذاك: “أنّه لا يناقش أحدٌ في أنّ الهدف النهائيّ لنا هو إقامة الهيكل، ولكنْ لم يحِنْ الأوان بعد وعندما يحين الموعد لا بدّ من حدوث زلزال يهدم المسجد الأقصى ونبني الهيكل على أنقاضه”.

وأكّد شلومو غورين، حاخام الجيش، أنّهم سيزيلون المسجد الأقصى و يستعيدون الهيكل. وكان هرتزل والمؤسّسون الصهاينة قد طالبوا بإعادة العبادة إلى الهيكل مكان المسجد الأقصى، وأعلن بن غوريون مؤسس “إسرائيل”: “لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل”!. 

تهويد القدس الشرقيّة: 

بدأت “إسرائيل” منذ اليوم الأول للاحتلال بالاعتداء على المسجد الأقصى، فقامت بالعديد من الحفريّات والأنفاق حول المسجد الأقصى وتحته بحثاً عن أيّ أثرٍ يمتّ إلى هيكل سليمان لصلة.

وبدأت قوات الاحتلال باتّخاذ العديد من الإجراءات كمقدّمة لتهويد المدينة العربيّة، ومنها:
• حلّ مجلس أمانة القدس، المنتخب من قِبَل أهالي المدينة العرب، ومصادرة أملاكه المنقولة وغير المنقولة، وإبعاد أمين العاصمة إلى عمّان، وإحلال موظّفين “إسرائيليّين” بدلاً من الموظّفين العرب.
• إلغاء الدوائر والمؤسّسات والمحاكم العربيّة وإلحاق بعضها بالدوائر “الإسرائيليّة”.
• حلّ المحكمة الشرعيّة الإسلاميّة بالقدس، وإلحاق مواطني القدس بالمحكمة الشرعيّة الإسلاميّة في يافا.
• إلغاء القوانين الأردنيّة واستبدالها بالقوانين “الإسرائيليّة”.
• إلغاء المناهج الدراسيّة في المدارس العربيّة وفرض المناهج “الإسرائيليّة” في جميع المراحل.
• إغلاق المصارف العربيّة في القدس ومصادرة أموالها ودمج اقتصاد المدينة العربيّة بالاقتصاد “الإسرائيليّ”.
• فصل اقتصاد القدس عن اقتصاد الضفّة الغربيّة وإقامة المراكز الجمركيّة حول القدس.
• إصدار بطاقات شخصيّة لمواطني القدس من وزارة الداخليّة “الإسرائيليّة”.

تذرّعت “إسرائيل” بحائط المبكى للاستيلاء على القدس عام 1967م، وحائط المبكى عند اليهود هو البراق الشريف، وهو وقفٌ إسلاميّ صرف.

ولقد أكّدت لجنة البراق الدوليّة، وهي اللجنة التي عيّنتها الحكومة البريطانيّة بموافقة مجلس عصبة الأمم المتّحدة للتحقيق في الحقوق والادّعاءات التي للعرب واليهود في البراق أو حائط المبكى في تقريرها الذي أعلنته بتاريخ 1930/12/30م: “إنّ حقّ ملكيّة الحائط وحقّ التصرّف فيه وما جاوره من الأماكن عائدٌ للمسلمين. ذلك أنّ الحائط نفسه هو ملكٌ للمسلمين، لأنّه جزءُ لا يتجزّأ من الحرم الشريف. إنّ الرصيف الكائن عند الحائط حيث يقيم اليهود صلواتهم، هو أيضاً كلكٌ للمسلمين، أوقفها على المسلمين الملك الأفضل (ابن صلاح الدّين الأيّوبيّ سنة 1493 ميلاديّة)، وكذلك المنازل الخصوصيّة التي يقيم فيها المغاربة قد أوقفها أبو مدين الغوث سنة (1320) ميلاديّة”.

تعود ملكيّة البراق، الحائط الغربيّ للحرم الشريف، أيْ ما يُعرف اليوم بحائط المبكى للمسلمين وحدهم، لأنّه يشكّل جزءاً لا يتجزّأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف. وتعود ملكيّة الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام حارة المغاربة المقابلة للحائط للمسلمين حسب أحكام الشرع الإسلاميّ.

فالحافز الأساسيّ لـ”إسرائيل” هو ماديّ صرف واستعلّت الزعم الدينيّ للتمويه على أطماعها الماديّة، نظراً للدخل الهائل الذي تجلبه القدس القديمة من ريع السياحة. وبالتالي يسلبون أهالي القدس العربيّة ليس فقط جزءاً مهمّاً من مقدّساتهم، وإنّما يحرمونهم أيضاً من أهمّ مصدرٍ من مصادر عيشهم.

إنّ عروبة القدس لا تقتصر فقط على القدس المحتّلة عام 1967م، وإنّما تمتدّ لتشمل القدس بشطريْها القديم والجديد.

وقامت “إسرائيل” منذ اليوم الأول للاحتلال بتنفيذ المخطّط اليهوديّ لتهويد المدينة فقامت أوّلاً بتوسيع حدود بلديّة القدس على حساب القرى العربيّة ومصادرة الأراضي العربيّة وتهويدها على غرار ما فعلت في القدس الغربيّة، وأخذت تقدّم الامتيازات للمستعمرين اليهود كي يسكنوا في المدينة وبالوقت نفسه أخذت تضيّق على العرب لحملهم على ترك المدينة والرحيل عنها ولا تسمح لأيّ عربيّ من سكّان القدس الغربيّة بالعودة إليها. 

إحراق المسجد الأقصى 

في صباح 21 آب 1969م شبّ حريق هائل بالمسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وفي مدينة الإسراء والمعراج، المدينة التي أسّسها العرب قبل ظهور اليهوديّة والمسيحيّة و الإسلام.

وامتدّت النيران بسرعة إلى الرواق الجنوبيّ الشرقيّ والمحراب (محراب صلاح الدين الأيّوبيّ) وأعمدة القبّة في المسجد، لتحوّل هذا التراث العربيّ الإسلاميّ المقدّس والنادر في الحضارة الإنسانيّة إلى كومةٍ من رماد، لتدمير المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه.

هُرِع عرب القدس من مسيحيّين ومسلمين لإطفاء الحريق، كما هُرِع الفلسطينيّون من قرى ومدن الضفّة الغربيّة للمشاركة في إطفائه وإنقاذ المسجد الأقصى المبارك من التدمير.

ووصل تآمر “إسرائيل” حدّاً أغلق فيه جيش الاحتلال أبواب الحرم الشريف لمنع العرب من الدخول، ولكنّهم أجبروا الجنود اليهود على فتح الأبواب بعد صدامٍ عنيف دام 45 دقيقة ظنّاً منهم بأنّ النيران اليهوديّة ستحوّل المسجد الإسلاميّ إلى رمادٍ خلال تلك الفترة.

وعندما بدا العرب بمحاولة ضخّ المياه من آبار لمسجد، وجدوا مضخّات المياه معطّلة، فأخذ الفلسطينيّون بنشل المياه بأوعيةٍ صغيرة ويتسلّقون سطح المسجد لإطفاء الحريق.

وكانت النساء يُوَلْولْنَ ويلوّحْنَ بالمناديل باكياتٍ ناحباتٍ، كما بكى الأطفال والرجال، وكان رجال الدين المسيحيّ وعلى رأسهم بطريرك الروم الأرثوذكس يحملون الماء ويبكون ويردّدون بأعلى أصواتهم: “بيت المقدس من بيوت الله يحرقوه”.

وارتفعت النيران أكثر من ثلاثين متراً فوق قبّة المسجد الأقصى، والمياه قليلة والجيش “الإسرائيليّ” يعرقل عمليّة إطفاء الحرائق. وعندما وصلت سيّارات الإطفاء من نابلس ورام الله والبيرة وبيت لحم والخليل وجنين وطولكرم منعتها سلطات الاحتلال من المشاركة في عمليّة إطفاء الحريق بذريعة أنّ عمليّة الإطفاء هي من اختصاص بلديّة القدس المحتلة.

وعندما وصل وزير الحرب “الإسرائيليّ” دايان استقبله الفلسطينيّون بالهتافات ضدّ “إسرائيل” وردّدوا عبارات: “الله أكبر”، “القدس عربيّة”، “لا هيكل مكان الأقصى”. ونجحوا في إخماد الحريق بعد احتراق الجزء الهام من المسجد الأقصى بما فيه محراب صلاح الدّين الذي أحضره من الجامع الأمويّ بحلب.

أضربت مدينة القدس العربيّة فور الانتهاء من إخماد الحريق، واندلعت فيها المظاهرات الصاخبة، وعمّ الإضراب جميع أنحاء الضفّة الغربيّة وقطاع غزة والمناطق الفلسطينيّة المحتلة عام 1948م.

وساد الحزن والغضب والألم قلوب ومشاعر جميع العرب والمسلمين لفظاعة الجريمة “الإسرائيليّة” ووحشيّتها، واتّخذ مجلس الأمن القرار (271) في 15 أيلول 1969 عبّر فيه عن الحزن للأضرار الجسيمة الناتجة عن الإحراق المفتعل في ظلّ الاحتلال العسكريّ للقدس. وأكّد المجلس أنّ امتلاك الأراضي بـ”الفتح العسكريّ” غير مسموحٍ به. وطالب “إسرائيل” أنْ تلغي فوراً جميع الإجراءات والأعمال التي اتّخذتها في سبيل تغيير وضع القدس. وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: هل محاولة تدمير المسجد الأقصى صدفة أم مخطّطة؟.

كانت القدس تحظى بإجماعٍ عربيّ وإسلاميّ على عروبتها بشطريْها المحتلّيْن لغربيّ والشرقيّ وتجسّد ذلك في جميع مؤتمرات القمم العربيّة والإسلاميّة. 

التبنّي الأمريكيّ للأطماع اليهوديّة في القدس 

تتضمّن قرارات الشرعيّة الدوليّة والتي تمثّل الحدّ الأدنى الذي وافقت عليه الحكومات العربية:
“الانسحاب الشامل من القدس العربيّة، وإلغاء كافّة الإجراءات التي اتّخذتها إسرائيل لتغيير الوضع الجغرافيّ والديمغرافيّ للقدس، وإدانة وإلغاء جميع الإجراءات القانونيّة والإداريّة التي اتّخذتها وأثّرت على الوضع التاريخيّ للمدينة بما في ذلك مصادرة الأراضي والعقارات وترحيل الفلسطينيّين واستيطان اليهود؛ وتفكيك الأحياء والمستعمرات اليهوديّة والسماح للنازحين الذين نزحوا جرّاء حرب 67 بالعودة إلى القدس”.

وتجلّى الانحياز الأمريكيّ الأعمى للأطماع اليهوديّة والمعادي لحقوق العرب والمسلمين في القرار رقم 106 الذي اتّخذه الكونجرس الأمريكي في 22 أيّار 1990م وصدر كقانونٍ في العام 1995م أيْ بعد أربعة أسابيع من توقيع اتّفاقيّة أوسلو في البيت الأبيض، والذي تضمّن الالتزام بعدم المساس بوضع القدس، ما يظهر بجلاء عدم مصداقيّة الالتزامات الأمريكيّة و”الإسرائيليّة”.

وتضمّنت ديباجة القانون الأمريكيّ كلّ المزاعم والأطماع والأكاذيب اليهوديّة في مدينة القدس العربيّة. ويتضمّن ثلاثة بنود: الأول: تبقى القدس موحّدة غير مجزّأة أيْ تكريس الاحتلال وشرعيّته. والثاني: يعترف بالقدس الموحّدة عاصمةً لـ”إسرائيل”. والبند الثالث: يلزم الإدارة بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس. ويتناقض هذا القانون الأمريكيّ مع قرارات الشرعيّة الدوليّة التي تعتبر القدس أرضاً عربيّةً محتلّة يجب الانسحاب منها.

وصمتت معظم الدول العربيّة صمتاً مريباً، بينما وجّه ياسر عرفات شكره للرئيس كلينتون الذي أعلن أنّه لم يؤيّد القانون، ولكنّه سيلتزم بتنفيذه.

وأظهر القانون بجلاء التراجع الأمريكيّ عن المواقف التي أعلنتها الإدارات الأمريكيّة السابقة.

ظهرت في “إسرائيل” والولايات المتّحدة عدّة منظّمات دينيّة متطرّفة يهوديّة ومسيحيّة تهدف إلى تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.

وتتفّق جميع الأحزاب “الإسرائيليّة” العمّاليّة والليكوديّة على أنّ القدس الموحّدة هي عاصمة “إسرائيل” الأبديّة. ويقوم الموقف الرسميّ “الإسرائيليّ” على أساس نعم للسلام بدون عودة القدس للسيادة العربيّة وبدون تفكيكٍ للأحياء والمستعمرات اليهوديّة فيها وفي بعض المناطق في الضفّة الغربيّة، وبدون الانسحاب الكامل والتشطيب على حقّ عودة اللاجئين إلى ديارهم، والاعتراف بيهوديّة “إسرائيل”.

لقد صنع الصهاينة أهميّةً بالغةً لمدينة القدس ورسخوها في نفوس اليهود ومؤيّديهم بسبب مكانتها السياسيّة والدينيّة وموقفها الاستراتيجيّ وأهميّتها الاقتصاديّة ولإذلال العرب والمسلمين وإخضاعهم ومسح هويّتهم الحضاريّة والسيطرة عليهم وعلى ثرواتهم.

إنّ الجريمة النكراء التي ترتكبها “إسرائيل” في هذه الأيّام بالاعتداء على التلّة التاريخيّة في باب المغاربة والأماكن الإسلاميّة المقدّسة في هذا المكان تذكّرنا بجريمتها الهمجيّة في المكان نفسه قبل 40 عاماً عندما صادرت حائط البراق وحوّلته إلى حائط المبكى وأزالت حيّ المغاربة برمّته من الوجود. وتذكّرنا أيضاً بمحاولة إحراق المسجد الأقصى قبل 38 عاماً.

إنّ مدينة القدس بشكلٍ عام والمسجد الأقصى بشكلٍ خاص في خطرٍ حقيقيّ داهم لا يستطيع الفلسطينيّون وحدهم مواجهته، لا سيّما وأنّ الدول الغربيّة تؤيّد كل ما تقوم به “إسرائيل” في مدينة القدس. فعمليّات الهدم والحفريّات ومصادرة الأراضي والعقارات وتهويدها والقضاء على طابعها العربيّ الإسلاميّ لا تزال مستمرّة حتّى اليوم وفي ظلّ صمتٍ عربيّ مطبق ومريب وفي هرولة بعض وزراء الخارجيّة العرب إلى “إسرائيل” وتطبيع العلاقات معها والسكوت على الاستمرار في قتل الفلسطينيّين وتهويد أراضيهم واغتصاب حقوقهم وإذلالهم على الحواجز والمعابر.

إنّ أعمال الحفر والهدم والبناء في مكانٍ يعتبره المسلمون وعددهم مليار ونصف المليار نسمة من أقدس مقدّساتهم أمرٌ خطيرٌ جدّاًَ واستفزازٌ وإذلال بالغ الحساسيّة قد تترتّب عليه نتائج كارثيّة للمنطقة وللعالم أجمع.

وهنا أطرح السؤال التالي بمناسبة مرور الذكرى السنويّة لمحاولة إحراق المسجد الأقصى: هل ستبقى بعض الحكومات العربيّة ولجنة إنقاذ القدس وبعض القيادات الفلسطينيّة في سباتٍ عميقٍ إلى أنْ ينجح الصهاينة وتنجح “إسرائيل” في تدمير المسجد الأقصى وإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه؟. 

الاعتداءات اليهوديّة على المسجد الأقصى 

قامت جماعة من حركة “بيتار” اليهوديّة بتاريخ 1970/7/22م بالدخول إلى ساحة الأقصى وأقاموا صلواتهم فيها وأنشدوا نشيد حركتهم الإرهابيّة، وذلك بمناسبة مرور (31) سنة على وفاة الإرهابيّ زئيف جابوتنسكي، الأب الروحيّ للإرهاب اليهوديّ وللسفّاحيْن بيغن وشارون.

وبتاريخ 8 أيّار 1975م دخل عددٌ من الشباب والشابات اليهود إلى ساحة الأقصى، حيث كان المصلّون يؤدّون صلاة العصر، وأقاموا حلقات الرقص والغناء متحدّين المسلمين خلال الصلاة. فتصدّى المصلّون لهم واشتبكوا معهم. وهُرِعت نجداتٌ من “الإسرائيليّين” تساعدهم في الاعتداء على المسلمين وحرمة المسجد الأقصى واعتدوا على أضرحة كبار الصحابة ومزّقوا العلم الفلسطينيّ ولطخوا الأضرحة بالدهان الأسود.

وقدّمت “جمعيّة أمناء جبل البيت” طلباً إلى المحكمة العليا “الإسرائيليّة” لإصدار قرارٍ يسمح للجمعيّة بإنشاء الهيكل داخل ساحة المسجد الأقصى و بممارسة الطقوس الدينيّة داخله.

وأصدرت المحكمة العليا “الإسرائيليّة” بتاريخ 61975/7/6م قرارها اعتبرت فيه أنّ الحرم الشريف (ساحة المسجد الأقصى) هو مكانٌ مقدّس للمسلمين واليهود معاً وأنّ على وزير الأديان اتّخاذ الإجراءات ووضع أنظمةٍ وترتيباتٍ ليمارس كلّ صاحب ديانةٍ حقّه بإقامة شعائره الدينيّة في المكان الذي يعتبره مقدّساً لديه. وأصدرت المحكمة “الإسرائيليّة” بتاريخ 1976/1/28م قراراً آخر ضدّ ثمانية أشخاص من جماعة “بيتار” اليهوديّة اقتحمت ساحة المسجد الأقصى واعتدت على المصلّين وأضرحة كبار المسلمين جاء فيه أنّ المتّهمين لم يقوموا بأيّ عملٍ ضدّ القانون وإنّما كانوا يرغبون بإقامة الصلاة في جبل البيت (منطقة المسجد الأقصى) وهذا حقّ شرعيّ وقانونيّ لهم، كما يحقّ لكلّ يهوديّ ممارسة شعائره الدينيّة في جبل البيت لأنّه مقدّس لديه.

وقامت “إسرائيل” بوضع ترتيباتٍ وأنظمة لمسجد الحرم الإبراهيميّ في الخليل والاستيلاء على القسم الأكبر منه وتقسيمه بين المسلمين واليهود. واعتبرت القسم الأكبر منه كنيساً يهوديّاً مُنِع المسلمين من دخوله، وبالتالي نجح اليهود بالاستيلاء على معظم المسجد وتهويده، ممّا أدّى إلى ارتكاب السفّاح اليهوديّ تمود شتاين مجزرة الحرم الإبراهيميّ بالتعاون والاشتراك مع الجيش “الإسرائيليّ” والتي ذهب ضحيّتها (63) عربيّاً من المصلّين وأهالي الخليل. وجاءت اتّفاقيّة الخليل وكرّست السيادة “الإسرائيليّة” على المسجد وعلى 20% من مدينة الخليل العربيّة.

وبنت الكنيس اليهوديّ الجديد في نفقٍ تحت ساحة المسجد الأقصى واستولت على باب المغاربة ومفتاحه وعلى حيّ المغاربة. ووسّعت ساحة حائط “المبكى” على حساب الأرض العربيّة المحتلّة للقضاء على الوجود العربيّ في القدس متحدّيةً بذلك الأمّة العربيّة والإسلاميّة ومبادئ وقرارات الشرعيّة الدوليّة واتفاقيّات جنيف الأربعة لعام 1949.

واقتحمت مقرّ المحكمة الشرعيّة (الإسلاميّة) في القدس واستولت على الوثائق الخاصّة بتاريخ المدينة المقدّسة والأوقاف الإسلاميّة تمهيداً لمصادرة المزيد من الممتلكات والأراضي العربيّة. ودلّت الحادثة على أنّ “إسرائيل” تمارس السرقة والقرصنة كسياسةٍ رسميّة وأظهرت وحشيّتها التي لم تحدثْ مثلها في تاريخ القدس واحتقارها للمقدّسات الإسلاميّة. وتحتوي الوثائق على جميع نواحي الحياة المدنيّة في المدينة منذ (500) سنة وتسجيل المنازل والعقارات للمسلمين والمسيحيّين.
ويشكّل هذا الاعتداء اعتداءاً صارخاً على حقوق وتاريخ وملكيّة أهالي القدس، وانتهاكاً صريحاً لأحكام القانون الدوليّ التي تلزم سلطات الاحتلال باحترام المدنيّين وعدم الاعتداء على مؤسساتهم وممتلكاتهم وتراثهم.

لقد أقرّت إحدى المحاكم “الإسرائيليّة” في 30 كانون الثاني 1976م حقّ اليهود في الصلاة بساحات الأقصى في أيّ وقتٍ يشاؤون من النهار. وبرّأت (40) يهوديّاً دخلوا عنوةً إلى المسجد الأقصى، مردّدين الأناشيد اليهوديّة، ممّا تسبّب في وقوع اشتباكاتٍ بينهم وبين المسلمين، وممّا يؤدّي إلى اشتباكاتٍ دائمة ومستمرّة بين المسلمين واليهود. وجرت في الأول من أيّار 1980م محاولةٌ أخرى لنسف المسجد الأقصى عندما اكتُشِف بالقرب من المسجد أكثر من طنٍّ من مادّة “تي أنْ تي”، وقد حوكم في هذه القضيّة الإرهابيّ مائير كاهانا.

وكسر 300 يهوديّ من جماعة “غوش إيمونيم” قفل باب الحديد وأدّوا الشعائر اليهوديّة في باحة المسجد الأقصى بشكلٍ استفزازيّ للمسلمين.

وبدأت في 25 آب 1980م عمليّات حفرٍ تحت المسجد الأقصى، هدّدت جدار المسجد عند حائط البراق بالانهيار لاكتشاف نفقٍ بدأ بحائط البراق ويؤدّي إلى فناء المسجد الأقصى. وزعموا أنّ لذلك علاقةٌ بالهيكل الثاني. وقامت مجموعةٌ من جماعة أمناء جبل الهيكل في 1982/3/2م باقتحام باب السلسلة، أحد الأبواب الخارجيّة للمسجد الأقصى وكانوا مزوّدين بالأسلحة، واعتدوا على حرّاس المسجد في الداخل واشتبكوا معهم وأصيب أحد الحرّاس وقام المسلمون في اليوم التالي بإضرابٍ شاملٍ في القدس احتجاجاً على هذه الاستفزازات، واجتاحت المظاهرات مدن الضفّة الغربيّة.

وأقدمت مجموعة من اليهود المتديّنين في آذار 1982م على اقتحام المسجد الأقصى عبر باب الغوانمة فتصدّى لهم الحرّاس وأصيب أحد الحرّاس، ولمّا حضرت الشرطة “الإسرائيليّة” اعتقلت الحارس المصاب واستجوبت الحرّاس الآخرين. واقتحم الجنديّ “الإسرائيليّ” آلان تمودمان في 11 نيسان 1982م المسجد الأقصى عبر بوّابة الغوانمة، وأطلق النار من رشّاشه على حارس الباب فأصابه، ثمّ هُرِع إلى مسجد الصخرة وهو يطلق النار بغزارة، فأصاب عدداً من المصلّين وقتل أحد الحرّاس. وشارك الجنود اليهود المتمركزون على الأسطح في إطلاق النار وارتكبوا مجزرة أصابوا فيها ما يقرب من مائة شخص. وحمّل مفتي القدس الشيخ سعد الدين العلميّ الحكومة “الإسرائيليّة” مسؤوليّة المجزرة وهاجمته الحكومة “الإسرائيليّة” ببيانٍ وقح قالت فيه: “على المجلس الإسلاميّ الأعلى أنْ يعلم أنّ عهد المفتي أمين الحسينيّ قد مضى إلى غير رجعة”.

واكتشف حرّاس الأقصى في بداية آب 1984م عدداً من الإرهابيّين اليهود في الساحات المحيطة بالمسجد ومعهم (120) كيلوغراماً من القنابل ومادّة “تي أن تي” وقال مفتي القدس آنذاك: “لولا عناية الله ما بقِيَ حجر على حجر في المبنى الشريف”.

وكشف النقاب في 18 كانون أول 1984م عن محاولة “إسرائيليّة” فاشلة لنسف المسجد الأقصى، وذلك عندما وضعت عناصر من حرس الحدود عبوة ناسفة في الساحة الرئيسيّة للمسجد الأقصى، إلا أنّ حرّاس الأقصى اكتشفوها و أبطلوا مفعولها، ونظّم بعدها إضرابٌ شامل في القدس.

واقتلعت الشرطة “الإسرائيليّة” في 3 نيسان 1986م بالقوّة باباً وضعه حرّاس الأقصى لمنع تسلّل اليهود بالليل إلى المسجد الأقصى.

ودخلت جماعات من حركتيْ أمناء جبل الهيكل وحزب هتميا في 21 آب 1986م ساحة الأقصى وأقاموا الطقوس اليهوديّة بحماية الشرطة “الإسرائيليّة”، وذلك خلال احتفال المسلمين بعيد الأضحى المبارك.

وقامت جماعة أمناء الهيكل في 17 تشرين الأول 1989م بوضع حجر الأساس لبناء الهيكل الثالث بالقرب من المسجد الأقصى وبلغت زنة الحجر (305) أطنان، وقال حرشون سلمون زعيم الجماعات “أنّ وضع حجر أساس الهيكل يمثّل بداية، لقد انتهى الاحتلال الإسلاميّ ونريد أنْ نبدأ عهداً جديداً من الخلاص للشعب اليهوديّ”.
واندلعت المواجهات عندما افتتح “الإسرائيليّون” في 24 أيلول 1996م باباً ثانياً للنفق تحت المسجد الأقصى واستغرقت عدّة أيّام واستشهد (80) عربيّاً على يد مجرم الحرب والإرهابيّ نتنياهو.

ودنّس متطرّف يهوديّ في 15 أيّار 1998م المسجد الأقصى بإلقاء رأس خنزير مغلّف بآياتٍ من القرآن الكريم في باحة المسجد، كما تمّ إحراق مدخلٍ رئيسيّ للمسجد الأقصى في الجهة الغربيّة منه.

وحاول عشرات الآلاف من اليهود اقتحام المسجد الأقصى في 2 آب 1998م لإحياء خراب الهيكل وتكرّرت محاولاتهم عدّة مرّات خلال هذا اليوم. وقام الجنود اليهود بشتم الذات الإلهيّة والنبيّ محمد والدّين الإسلاميّ. واكتشفت الشرطة “الإسرائيليّة” في أيلول 1998م خطّة دبّرتها جماعة جبل الهيكل لنسف الحرم القدسيّ وقبّة الصخرة بالصواريخ من موقعٍ مشرف على الحرم.

واقتحمت عناصر من الشرطة وحرس الحدود الأقصى لإغلاق نافذة قامت دائرة الأوقاف الإسلاميّة بالإشراف على توسيعها وترميمها باعتبارها جزءاً من المسجد الأقصى القديم.

ولا تزال “إسرائيل” في خضمّ انتفاضة الأقصى الثانية تواصل الحفريّات في محيط وأسفل المسجد الأقصى لفرض واقعٍ جديد يستبق نتائج مفاوضات الحلّ النهائيّ بالنسبة للقدس. وتؤثّر الحفريات الجارية على أساس المسجد الأقصى والعمارات الإسلاميّة وتشكّل اعتداءً صارخاً على أملاك الوقف الإسلاميّ في حائط البراق الذي يسمّونه اليهود كذباً وبهتاناً بحائط المبكى. وأكّد الشيخ عكرمة صبري، مفتي القدس: “إنّ الحفريّات ما زالت مستمرّة وأنّها لم تتوقّف منذ بدء الاحتلال عام 1967م”، مشيراً إلى ما تمّ اكتشافه إنّما هو عبارة عن مجرى مياه قديم لا يمتّ للتاريخ العبريّ بصلة.

وأشار إلى أنّ أعمال الحفر على عمق 18 متراً تحت الأرض وتتّجه جنوباً إلى سلوان.

وأكّد الشيخ محمد حسين، مدير المسجد الأقصى، إلى “أنّ الحفريات تشكّل اعتداءً على أساسيّات المسجد الأقصى المبارك وأراضي ممتلكات الأوقاف والأبنية الإسلاميّة”. وأضاف أنّ “جميع الحفريّات التي قاموا بها لم تؤدِّ إلا إلى آثار إسلاميّة أو بيزنطيّة أو رومانيّة وليس هناك ولو حتّى حجر واحد بعود إلى أيّ عصرٍ عبرانيّ”.

وحمّل مفتي القدس المسؤوليّة الكاملة للحكومة “الإسرائيليّة” الممثّلة بوزارة الأديان ودائرة الآثار “الإسرائيليّة” لأيّ ضررٍ يلحق ببنيان المسجد الأقصى وطالبهم بالتوقّف عن الحفريات، وقال: “من الممكن أن يكون هناك ربط بين ما يجري من حفريات وبين الأوضاع السياسيّة، فهم يمهّدون للاستيلاء على أسفل المسجد الأقصى ولكنّنا نقول إنّ أسفل المسجد وهواءه وسماءه وساحاته كلّه أقصى”. وكانت “إسرائيل” قد طالبت في كامب ديفيد بالسيطرة على ما هو أسفل المسجد الأقصى ممّا أدّى إلى فشل المفاوضات.

وتحاول “إسرائيل” فرض حقائق على أرض الواقع لاستغلالها في مفاوضات الحل النهائيّ لتهويد المقدّسات الإسلاميّة وفرض سيادتهم عليها مثلما فرضوها على حائط البراق. وبالتالي فإنّ الحفريات تشكّل مخاطر دينيّة وسياسيّة وجغرافيّة وديمغرافيّة هائلة.

إنّ اعتداءات “الإسرائيليّين” و”إسرائيل” على المقدّسات العربيّة الإسلاميّة منها والمسيحيّة وعلى التراث الحضاريّ في الأراضي العربيّة المحتلّة وتهويده لم يحدث فقط بعد حرب حزيران العدوانيّة التي أشعلتها دولة اليهود، وإنّما قامت “إسرائيل” بمثل هذه الاعتداءات في فلسطين المحتلة عام 1948م ومنذ اليوم الأول لتأسيسها. وشملت الاعتداءات والانتهاكات اليهوديّة للمقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة غير العربيّة كالاعتداء على كنائس تتبع طوائف الأرض واللاتينيّين واليونانيّين وكلّها طوائف لا يربطها صراعٌ مع “إسرائيل”، وكالاعتداء على المسجد الأقصى الذي يعتبر من أقدس الأماكن لمليار وثلاثمائة مليون من المسلمين.

لقد وصل عدد المستعمرين اليهود في الشطر الشرقيّ من المدينة العربيّة إلى أكثر من (150) ألفاً. ويمكن القول إنّ عداء اليهود و”إسرائيل” للمقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة ينبع من الحقد والكراهيّة التي يضمرها اليهود للديانات الأخرى عرباً كانوا أصحابها أو غير عرب، كما أنّ جزءاً كبيراً من هذه الاعتداءات والانتهاكات والأطماع والمصادرات والتدمير والتهويد جاء على يد مؤسّسات حكوميّة رسميّة.

ويعود مصدر هذه الممارسات والتصرّفات والمواقف الهمجيّة إلى الطبيعة العدوانيّة المتأصّلة في الصهيونيّة والهوس الدينيّ والعنصريّ والأطماع التي أصابت اليهود وتطبع تصرّفاتهم بطابع الكراهيّة والبغضاء لكلّ ما هو غير يهوديّ.

وتعمل “إسرائيل” ليل نهار على تهويد الشطر الشرقيّ من مدينة القدس كما هوّدت الشطر الغربيّ المحتلّ من المدينة عام 1948م وكما تعمل على تهويد الخليل والحرم الإبراهيميّ الشريف فيها.

إنّ الحل “الإسرائيليّ” والأمريكيّ المطروح يجعل من القدس العربيّة بشطريْها عاصمة “إسرائيل” الموحّدة، بينما تصبح قرية أبو ديس عاصمة الدولة الفلسطينيّة.

لذلك لا يجوز إطلاقاً أن تستفرد السلطة الفلسطينيّة أو قيادة منظّمة التحرير الفلسطينيّة أو حتّى مؤتمرات القمّة العربيّة بشطريْها المحتلّيْن الشرقيّ والغربيّ.

لا حلّ على الإطلاق في القدس إلا استعادة المدينة لهويّتها العربيّة الإسلاميّة ونزع الهويّة اليهوديّة التي عمل الاحتلال “الإسرائيليّ” على فرضها على المدينة العربيّة الإسلاميّة، واستعادة السيادة العربيّة الكاملة غير المنقوصة عليها، فهي بمنزلة القلب بالنسبة لفلسطين وللعرب والمسلمين، وكلّ قرار يمسّ هويّتها العربيّة والإسلامية قرارٌ باطل ولاغٍ مهما طال عليه الزمن. 

موقف الولايات المتّحدة 

أيّدت الولايات المتّحدة قرار التقسيم رقم 181 والقرار 194. وشاركت في لجنة التوثيق الدوليّة، وحملتها على التخلّي عن فكرة التدويل. ورفضت الاعتراف بالقدس الغربيّة عاصمةً لـ”إسرائيل” والقدس الشرقيّة عاصمةً ثانية للأردن.

على إثر احتلال “إسرائيل” للقدس الشرقيّة تبلور الموقف الأمريكيّ في البيان الذي أعلنه ممثّل الولايات المتّحدة في الأمم المتّحدة غولدبرغ في 1967/9/14م. وجاء فيه:
• إنّ تقرير المستقبل النهائيّ للقدس ككلّ يتمّ عبر الحلّ العام لمشكلة الشرق الأوسط.
• الدعوة لفرض رقابة دوليّة على الأماكن المقدّسة.
• رفض الاعتراف بالقدس عاصمةً لـ”إسرائيل” أو نقل السفارة إليها.
• تعتبر القدس الشرقيّة منطقة محتلة تخضع لقانون الاحتلال الحربيّ، ولا يجوز لـ”إسرائيل” أنْ تدخل عليها أيّة تغييرات، وأنّ التغييرات التي قامت بها تُعَدّ باطلة ولا تمثّل حكماً مسبقاً على الوضع النهائيّ، والدائم للمدينة.
وجاءت مبادرة روجرز أواخر عام 1969م وأدخلت تغييرات في الموقف الأمريكيّ بخصوص القدس وهي:
• حصر الحلّ في إطار مفاوضات عربيّة-“إسرائيليّة”.
• عدم الإشارة إلى العناصر الواردة في البيان الأمريكيّ السابق.
• عدم الاعتراف بالقدس عاصمةً لـ”إسرائيل” وعدم نقل السفارة إليها.

وأعلن شارلز يوست، مندوب الولايات المتّحدة في مجلس الأمن في 1969/7/1969م، أنّ “القدس التي وقعت تحت سيطرة إسرائيل في حرب 1967، مثلها مثل مناطق أخرى احتلّتها إسرائيل، تعتبر مناطق محتلّة تخضع لنصوص القانون الدوليّ الذي ينظّم حقوق والتزامات دولة الاحتلال، القائلة إنّ دولة الاحتلال لا يحقّ لها أنْ تُحدِث تغييرات في القوانين أو الإدارة”.

وتبنّت إدارة الرئيس كارتر الموقف الأمريكيّ الذي تبلور في البيان الأمريكيّ أمام الأمم المتّحدة في أيلول 1967م والعناصر الواردة في مبادرة روجرز، ولكنّها لم تدرجْ قضيّة القدس في نصوص اتفاقيّتيْ كامب ديفيد وإنّما في رسالةٍ أمريكيّة وجّهها الرئيس الأمريكيّ كارتر إلى الرئيس المصريّ أنور السادات، واعتبر أنّ للقدس وضعاً يختلف عن بقيّة الأراضي المحتلّة وتأييد اشتراك سكّان القدس في أعمال سلطة الحكم الذاتيّ، دون مدّ سلطة هذا الحكم على القدس. وجاءت إدارة ريغان واعترفت بتغييرات جديدة تخدم الطماع اليهوديّة في القدس، منها:
• بقاء المدينة موحّدة وتقرير وضعها النهائيّ في المفاوضات.
• إدراج القدس كمدينة “إسرائيليّة” في سجلات وزارة الخارجيّة. 

موقف السلطة الفلسطينيّة 

كانت قضيّة القدس وفلسطين هي الأساس والقاسم المشترك الذي توحّدت حوله مواقف الدول الإسلاميّة، حيث تبنّت بالكامل الموقف العربيّ وأيّدته في داخل المنظّمة الدوليّة وخارجها. وتشكّلت منظّمة المؤتمر الإسلاميّ بعد محاولة “إسرائيل” إحراق المسجد الأقصى عام 1969م وانبثقت عنها لجنة القدس، المؤلّفة من 14 دولة إسلاميّة برئاسة ملك المغرب الحسن، وذلك لتحرير المدينة المقدّسة. ولكنّها فشلت في القيام بأيّ دورٍ إيجابيّ لخدمة قضيّة القدس.

ارتكز الموقف الفلسطينيّ على مقرّرات المجلس الوطنيّ عام 1988م، والتي تنصّ على إقامة الدولة الفلسطينيّة وعاصمتها القدس الشرقيّة.

ووافقت القيادة الفلسطينيّة في اتّفاق أوسلو على تأجيل قصيّة القدس إلى مفاوضات المرحلة النهائيّة، وهي خدعة “إسرائيليّة” وافق عليها المفاوض الفلسطينيّ الضعيف والهزيل وقيادته الفرديّة والمستبدّة والمشبوهة بفرض الأمر الواقع على المدينة العربيّة الإسلاميّة. وتميل قيادة عرفات إلى الحل الصهيونيّ القائم على إبقاء المدينة موحّدة وإعلان قرية أبو ديس عاصمةً لدولته.

ولكيْ تتابع “إسرائيل” ابتزازها لقيادة عرفات اعترفت بدورٍ خاصّ للأردن في حماية المقدّسات الإسلاميّة في القدس. وتخشى السلطة من اعتراف “إسرائيل” بالدور الأردنيّ في رعاية الأماكن المقدّسة من أنْ يقود إلى تسليم الأردن بالسيادة “الإسرائيليّة” على الأماكن الإسلاميّة المقدّسة.

وترفض سلطة الحكم الذاتيّ تقسيم قضيّة القدس إلى شقّيْن: دينيّ وسياسيّ، وإعطاء الأردن السيادة الدينيّة والاعتراف بالسيادة “الإسرائيليّة” على القدس الموحّدة. وتتجلّى جريمة القيادة الفلسطينيّة الوطنيّة والقوميّة والدينيّة بتنازلها عن القدس الغربيّة المحتلة عام 1948م والموافقة على بقاء القدس الشرقيّة المحتلة عام 1967م موحّدة مع القدس الغربيّة المحتلة عام 1948م وعاصمة لـ”إسرائيل”.

وبالتالي توافق على أطماع “إسرائيل” في القدس الشرقيّة و تعترف بالقدس الموحّدة عاصمة “إسرائيل” الأبديّة مقابل اتّخاذ قرية أبو ديس عاصمة للدولة الفلسطينيّة.
لقد أوحى الله سبحانه وتعالى إلى النبيّ العظيم محمد (صلّى الله عليه وسلّم) أنْ يؤدّي الإسراء والمعراج تثبيتاً للقداسة التي تحتلّها القدس في الإسلام، ومن أهدافها الحفاظ على سلامة ديار الإسلام وحرمة أراضيها.

وكانت القدس وفلسطين على الدوام البوابة التي يعبر من خلالها الغزاة الطامعون في جميع الديار العربيّة والإسلاميّة. ويعلّمنا التاريخ أنّ مصير القدس وفلسطين يرتبط بمصير المنطقة بأسرها.

لا توجد سلطةٌ أو حاكم يملك حقّ التنازل عن عروبة القدس وعن السيادة العربيّة والإسلاميّة عليها، والقبول بضمّ المدينة وتهويدها والاعتراف بها عاصمة أبديّة وموحّدة للكيان الصهيوني، لذلك فكلّ قرارٍ من أيّة جهةٍ فلسطينيّة أم عربيّة يمسّ هويّتها الإسلاميّة باطل وغير شرعيّ. فالقدس مدينة عربيّة، أسّسها العرب قبل ظهور اليهوديّة بآلاف السنين. واشتقّ اسمها الحاليّ من اسمها الكنعانيّ العربيّ أوروسالم وأرشليم. واحتلّها داوود من أصحابها العرب اليبوسيّين، وظلّوا يعيشون في المدينة، وبالتالي لم تنقطعْ صلتهم بمدينتهم حتّى في عهديْ داوود وسليمان. وهي وقْفٌ إسلاميّ، والإسلام دين كافّة الأنبياء والرسل وخاتم الرسالات السماويّة. فالقدس عربيّة إسلاميّة إلى أنْ جاء الكيان الصهيونيّ واحتلّها.

إنّ مدينة القدس إرثٌ عربيّ إسلاميّ لا يجوز لأحدٍ على الإطلاق أنْ يتنازل عن مكانتها وطابعها الإسلاميّ. وهي تتمتّع بمكانةٍ كبيرة في القرآن الكريم وسنّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهي مدينة الإسراء وأولى القبلتيْن وثالث الحرميْن الشريفيْن، ومدينة العلم والدين والحضارة الإسلاميّة، ممّا يزيد من مكانتها الروحيّة، إجلالاً وتقديراً في نفوس المسلمين كافّةً حرصاً على قدسيّتها لمكانتها العزيزة على الروح والقلب والضمير الإسلاميّ والإنسانيّ.

فالقدس جوهر قضيّة فلسطين ومفتاح السلام والحرب في المنطقة وإلى الأبد. وهي التحدّي الأساسيّ للأمّة العربيّة والإسلاميّة، ويجب وضعها في سلّم الأولويّات العربيّة والإسلاميّة، ولا يوجد في القانون الدوليّ أو الشرعيّة الدوليّة ما يجيز لـ”إسرائيل” الاستمرار في احتلالها وفرض سيادتها على المدينة.

لذلك يجب أنْ يبقى باب الجهاد المقدّس مفتوحاً إلى أنْ يتمّ تحريرها من رجس الصهاينة وتعود للسيادة العربيّة، وإنّ تقصير مجلس الأمن الدوليّ في إجبار “إسرائيل” بالقوّة على تنفيذ قراراته بخصوص القدس يظهر ازدواجيّة المعايير والكيْل بمكياليْن في تطبيق قرارات الشرعيّة الدوليّة. ويُظهر فشل وعجز الأمم المتّحدة والشرعيّة الدوليّة أمام أطماع “إسرائيل” وغطرستها، ممّا يجعل المواطن العربيّ يتساءل حول مصير الأمم المتّحدة وعجزها أمام أطماع “إسرائيل”التوسيعيّة وممارساتها العنصريّة والإرهابيّة. 

الوضع القانونيّ لمدينة القدس 


إنّ قضيّة القدس جزءٌ لا يتجزّأ من قضيّة فلسطين ولا تنفصل عن مشكلة الأراضي العربيّة الفلسطينيّة المحتلة. ولكنْ للقدس أهميّة خاصّة نظراً لوجود أهمّ الأماكن الدينيّة المقدّسة للمسيحيّة والإسلام في المدينة.

عالجت الأمم المتّحدة قضيّة القدس بشكلٍ مستقلّ عن قضيّة فلسطين، وذلك تحقيقاً لرغبة الفاتيكان والدول الكاثوليكيّة التي تطالب بالتدويل وللأطماع اليهوديّة في المدينة العربيّة وللضعف العربيّ.

وينطبق على قضيّة القدس ما ينطبق على قضيّة فلسطين من حيث عدم جواز اكتساب الأراضي بالغزو العسكريّ وحقّ تقرير المصير والانسحاب الشامل وحقّ العودة والتعويض، وعدم الاعتراف بالتغييرات الديمغرافيّة والجغرافيّة التي كرّسها الاحتلال.

وأوْلتْ الأمم المتّحدة والأوساط الدوليّة اهتماماً خاصّاً لحماية المقدّسات الدينيّة من العبث اليهوديّ وضمان حريّة الوصول إليها والحيلولة دون تهويدها وتغيير طابعها الديمغرافيّ.

احتلّ الجيش “الإسرائيليّ” القدس العربيّة في السابع من حزيران 1967م، لتحقيق توسّعٍ إقليميّ جديد وانتهاك مبادئ القانون الدوليّ وميثاق الأمم المتّحدة وقراراتها وقدسيّة الأماكن الدينيّة الإسلاميّة والمسيحيّة ومقدّمة لتهويدها وتهويد المدينة العربيّة.

إنّ القانون الدوليّ لا يقرّ ولا يعترف باستخدام القوّة والقيام بعدوانٍ عسكريّ والاستيلاء على الأراضي عن طريق الغزو العسكريّ ونزع طابعها العربيّ وتهويدها بقوّة الاحتلال وتأييد الولايات المتّحدة.

فالقانون الدوليّ وميثاق الأمم المتّحدة يحرّم استخدام الحروب كوسيلة للتوسّع والهيمنة وتسوية المنازعات الدوليّة, ويحرّم ميثاق الأمم المتّحدة التهديد بالقوّة أو استخدامها في غير الصالح العام.

وينظّم القانون الدوليّ واتّفاقيّات جنيف لعام 1949م صلاحيّات سلطات الاحتلال إلى أنْ يزول الاحتلال وتعود السيادة العربيّة على القدس العربيّة، ويُلزِمها بعدم استغلال حالة الاحتلال غير الطبيعيّة أو تسيء استخدام سلطاتها.

فالطبيعة المؤقّتة للاحتلال تلزم المحتلّ بعدم القيام بإجراءات تغيّر المعالم الجغرافيّة أو الديمغرافيّة للإقليم المحتلّ، أو الشؤون الاقتصاديّة والقانونيّة والتعليميّة والاجتماعيّة للإقليم. وتتنافى مع القيام بضمّ الإقليم المحتلّ ونقل السيادة عليه لدولة الاحتلال.

إنّ ضمّ القدس العربيّة ونقل السيادة العربيّة إلى دولة الاحتلال “الإسرائيليّ” يتنافى وأحكام القانون الدوليّ العام والمواثيق الدوليّة التي تمنع الحروب وتحرّمها وتعاقب عليها وتلزم المعتدي “الإسرائيليّ” بدفع التعويضات عن الخسائر التي ألحقها بالأرض والمواطنين والثروات خلال فترة الاحتلال.

وينظّم ميثاق الأمم المتّحدة في المادّة الثانية والفصل السادس للجوء إلى الوسائل السلميّة لفضّ المنازعات الدوليّة ويحرّم استخدام القوّة أو التهديد بها في العلاقات الدوليّة. فضمّ القدس إجراءٌ باطل وما بُنِيَ على باطل فهو باطل، كما لا يجوز إطلاقاً تبرير الضمّ لأسبابٍ ومزاعم وخرافات دينيّة توراتيّة وتلموديّة، لا يجوز إطلاقاً تبرير الضمّ نتيجةً لحرب حزيران العدوانيّة التي أشعلها العدو “الإسرائيليّ” خلافاً لمبادئ القانون الدوليّ وميثاق الأمم المتّحدة وانتهاك فاضح لحقّ تقرير المصير لسكّان القدس العرب.

أدانت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في القرار (2253) بتاريخ 1967/7/4م ضمّ القدس والإجراءات التي نفّذتها “إسرائيل” وطالبتها بإلغاء جميع الإجراءات والعدول عنها بشكلٍ فوريّ.

واتّخذت القرار رقم (2254) والذي تضمّن تجديد الدعوة لدولة الاحتلال إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس. واعتبرت أنّ جميع الإجراءات التي اتّخذتها “إسرائيل” للاستيطان في الأراضي المحتلّة بما في ذلك القدس المحتلة باطلة ولاغية.

وطالبت “إسرائيل” بالانسحاب الكامل من كافّة الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة منذ عام 1967م بما فيها القدس وبدون شروطٍ مع وجوب عدم المساس بالممتلكات والمرافق والالتزام بكافّة قرارات الأمم المتّحدة المتعلّقة بالطابع التاريخيّ للمدينة. 

القدس ومجلس الأمن الدوليّ 

ينصّ قرار مجلس الأمن الدوليّ رقم (242) بتاريخ 1967/11/22م عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب والانسحاب “الإسرائيليّ” من الأراضي العربيّة المحتلّة. ويشمل القرار ضمناً مدينة القدس العربيّة. واتّخذ مجلس الأمن الدوليّ القرار (252) في 1967/5/21م الذي اعتبر أنّ جميع الإجراءات الإداريّة والتشريعيّة وجميع الأعمال التي قامت بها “إسرائيل” بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أنْ تؤدّي إلى تغيير الوضع القانونيّ للقدس هي إجراءات باطلة ولا يمكن أنْ تغيّر وضع المدينة. ودعا القرار “إسرائيل” أنْ تلغي هذه الإجراءات وأنْ تمتنع فوراً عن القيام بأيّ عملٍ آخر من شأنه تغيير وضع القدس.

واتّخذ المجلس القرار (267)، في 1969/7/3م، وأكّد على ما جاء في قراره السابق رقم (252). وعلى أثر إحراق “إسرائيل” للمسجد الأقصى في 1969/8/21م اتّخذ مجلس الأمن القرار رقم (271) في 1969/9/15م عبّر فيه عن الحزن لما لحق المسجد الأقصى والخسارة التي لحقت بالثقافة الإنسانيّة. وأكّد القرار على جميع قرارات الجمعيّة العامّة و مجلس الأمن السابقة وعلى مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالغزو العسكريّ. وطالب “إسرائيل” بالامتناع عن خرق القرارات السابقة وإبطال جميع الإجراءات والأعمال التي اتّخذتها لتغيير وضع القدس. واتّخذ مجلس الأمن القرار (298) في 1971/9/25م بشأن القدس أكّدت فيه على أنّ جميع الأعمال والإجراءات التي اتّخذتها “إسرائيل” لتغيير وضع القدس لاغية ولا تستند إلى شرعيّة قانونيّة. ودعا “إسرائيل” إلى إلغائها وعدم اتّخاذ خطواتٍ أخرى في القدس المحتلّة.

ووافق مجلس الأمن الدوليّ في 1979/3/22م على القرار (446) الذي اعتبر الاستيطان في الأراضي المحتلة عقبة في وجه السلام. وتضمّن قرار مجلس الأمن (452)، في 1979/7/2م، الطلب من “إسرائيل” وقف النشاطات الاستيطانيّة في الأراضي المحتلّة بما فيها القدس.

وأعلن مجلس الأمن في القراريْن (465 و 467 لعام 1980) بطلان الإجراءات التي اتّخذتها “إسرائيل” لتغيير طابع القدس.

أكّدت قرارات الشرعيّة الدوليّة على مبدأ عدم شرعيّة الاستيلاء على الأراضي بالقوّة المسلّحة وعدم الاعتراف باحتلال “إسرائيل” للقدس العربيّة والمطالبة بعدم تغيير الطابع التاريخيّ والديمغرافيّ والجغرافيّ للمدينة المقدّسة. وصدر القراران (476) في 1980/6/30، و(478) في 1980/8/20، وأكّد بطلان وعدم شرعيّة تغيير وضع القدس العربيّة وعدم اعترافه بقانون ضمّ “إسرائيل” للقدس.

واعتبر مجلس الأمن في القرار الذي اتّخذه بتاريخ 1980/5/15 عمل “إسرائيل” خرقاً للقانون الدوليّ. وصدر قرار مجلس الأمن رقم (672) في 1990/10/12، أيْ بعد مجزرة الحرم الإبراهيميّ الشريف التي وقعت في 1990/10/8م، وأدان فيه أعمال العنف التي ارتكبتها القوّات “الإسرائيليّة” ودعاها إلى التقيّد حرفيّاً بالتزاماتها ومسؤوليّاتها التي توجبها اتفاقات جنيف لعام 1949م.

وشجبت الجمعيّة العامّة في قرارٍ اتّخذته في 1994/12/15م قيام بعض الدول بنقل بعثاتها الدبلوماسيّة إلى القدس. وأكّدت أنّ الإجراءات “الإسرائيليّة” لتغيير وضع القدس باطلة وغير قانونيّة.

وأقرّت الجمعيّة العامّة في الرابع من كانون الأول 1995م أنّ كافّة الإجراءات التشريعيّة والإداريّة والتصرّفات الصادرة عن “إسرائيل” وقوات الاحتلال والمؤديّة إلى طمس أو تغيير هويّة ونظام المدينة المقدّسة وبصفةٍ خاصّة تلك المسمّاة بالقانون الأساس للقدس أو إعلان القدس عاصمةً لـ”إسرائيل” هي إجراءات باطلة خالية من أيّ قيمة.

تتضمّن قرارات الشرعيّة الدوليّة حول القدس ما يلي:
• وجوب الانسحاب من الأراضي التي احتُلّت عام 1967 بما فيها القدس الشرقيّة.
• إدانة إجراءات “إسرائيل” في القدس وإلغاء جميع الإجراءات الإداريّة والقانونيّة التي تمّت وأثّرت على الوضع التاريخيّ للمدينة بما في ذلك مصادرة الأراضي والعقارات وترحيل المواطنين.
• إلغاء كلّ الإجراءات التي اتّخذت لتغيير الوضع الجغرافيّ والديمغرافيّ والقانونيّ للقدس.
• تفكيك المستعمرات اليهوديّة في القدس.
• السماح للنازحين العرب الفلسطينيّين الذين نزحوا عام 1967م بالعودة إلى القدس.

بالرغم من قرارات مجلس الأمن الدوليّ، والجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، أعلنت “إسرائيل” ضمّها للقدس في 1980/7/30م، وجعلت القدس الغربيّة التي احتلّتها عام 1948م والقدس الشرقيّة التي احتلّتها عام 1967م عاصمتها الموحّدة والأبديّة، وذلك بعد أنْ أكملت السيطرة على الأرض وتهويدها وإضعاف الوجود العربيّ الإسلاميّ فيها وتفريغها من سكّانها العرب وتشجيع الاستيطان اليهوديّ فيها، وبالتالي قامت بعمليّة تطهيرٍ عرقيّ وحسمت الوضع الديمغرافيّ للمدينة. ونجحت في استبعاد أيّ دورٍ للأمم المتّحدة في المدينة المقدّسة. واستفردت بالقيادة والسلطة الفلسطينيّة لفرض الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوّة.

وبالتالي نجحت بإبعاد قرارات مجلس الأمن الدوليّ وفقدان العرب التمسّك بهذه القرارات. إنّ قرارات الأمم المتّحدة المستندة إلى الميثاق والعهود الدوليّة والقانون الدوليّ واضحة تمام الوضوح بخصوص القدس، وهي تعتبر أنّ القدس الشرقيّة جزءاً لا يتجزّأ من الأراضي العربيّة المحتلة في حرب حزيران العدوانيّة عام 1967م. وتؤكّد عدم شرعيّة الإجراءات “الإسرائيليّة” التي غيّرت الوضع الجغرافيّ والديمغرافيّ للمدينة العربيّة واعتبرتها لاغية وباطلة، كما اعتبرت تطبيق القوانين “الإسرائيليّة” على القدس يمثّل انتهاكاً لاتفاقيّات جنيف لعام 1949م وبطلان الاستيطان اليهوديّ وإدانته والمطالبة بإلغائه وتفكيك المستعمرات اليهوديّة.

إنّ اليهود لا يملكون حقّاً تاريخيّاً في مدينة القدس وبقيّة الأراضي الفلسطينيّة، ولكنّهم يعملون على اكتساب الحقّ باللجوء إلى الوسائل الاستعماريّة وابتزاز المفاوض الفلسطينيّ الهزيل والمستبدّ بالقرار الفلسطينيّ.

وإنّ سجلّ الكيان الصهيونيّ يظهر عدم الاكتراث بقرارات الشرعيّة الدوليّة بدءاً من قرار التقسيم ومروراً باحتلال القدس الغربيّة والشرقيّة وضمّ المدينة وتهويدها.
وشجّعها في ذلك الموقف الأمريكيّ المنحاز وكيْل الإدارة الأمريكيّة بمكياليْن وتخاذل الموقف الدوليّ وضعف الموقف العربيّ وهزالة القيادة الفلسطينيّة. ونجحت بإسقاط قرارات الشرعيّة وتحقيق مخطّطاتها.

إنّ حقائق التاريخ تثبت أنّ القدس عربيّة منذ تأسيسها. واعترفت قرارات الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة ومجلس الأمن الدوليّ بعروبة القدس وسجّلتها في القرارات التي اتّخذتها بشأن المدينة المقدّسة والتي تؤكّد أنّ القدس مدينة عربيّة ويجب انتزاعها من المحتلّين “الإسرائيليّين” وإعادتها إلى السيادة العربيّة.

إنّ التدابير والإجراءات التي اتّخذتها “إسرائيل” لتكريس احتلال المدينة العربيّة وجعلها عاصمة لها هي إجراءات باطلة قانونيّاً، رفضها وشجبها حتّى مجلس الأمن وقرّر عدم الاعتراف بها.

واعتبرت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة أنّ فرض السلطات الإداريّة والقضائيّة “الإسرائيليّة” على المدينة العربيّة قرارات غير شرعيّة وباطلة. واعتبرت المستوطنات غير مشروعة وعقبة كأداء في وجه السلام.

لم تكترث “إسرائيل” بالرفض العربيّ والإسلاميّ والعالميّ لتهويد القدس. وتابعت فرض سياسة الأمر الواقع، لفرض هيمنتها الكاملة على المدينة في مفاوضات الوضع النهائيّ.
________________________________________
*د. غازي حسين: سفير سابق لمنظّمة التحرير في النمسا وعضو اتّحاد الكتّاب والصحافيّين العرب وعضو الأمانة العامّة للاتحاد العام للكتّاب والصحافيّين الفلسطينيّين.

د. غازي حسين

عضو جمعية البحوث والدراسات-اتحاد الكتاب العرب بدمشق عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين –عضو رابطة الكتاب الاردنيين ولد بتاريخ 10/9/1938 في بلدة سلمة (قضاء يافا) التي احتلتها العصابات اليهودية المسلحة بعد مجزرة دير ياسين في أواخر شهر نيسان عام 1948. أنهى الدراسة الابتدائية والثانوية في كلية النجاح الوطنية بنابلس. انتخب عام 1954 كرئيس لمؤتمر الطلبة الأردني بلواء نابلس. اعتقل عدة مرات في الأردن ونفي إلى معتقل الجفر بسبب نشاطاته السياسية. بدأ دراسة الحقوق في الجامعة السورية بدمشق وأكملها في ألمانيا ونال هناك الماجستير في الحقوق عام 1962، ودكتوراه في القانون الدولي عام 1966، ودكتوراه في العلوم الحقوقية عام 1974. مارس تدريس القانون الدولي في جامعات ألمانيا ودمشق (المعهد العالي للعلوم السياسية). عمل كمستشار في القصر الجمهوري بدمشق وكسفير لمنظمة التحرير الفلسطينية لدى الحكومة النمساوية في فيينا، وكممثل للمنظمة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووكالة التنمية الصناعية (يونيدو) في فيينا. وشارك في أهم المؤتمرات الدولية التي عالجت قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني، و كمستشار قانوني ورئيس إدارة في الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية بدمشق، وعضو سابق في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، وعضو سابق في القيادة العامة لطلائع حرب التحرير الشعبية- قوات الصاعقة ورئيس الدائرة السياسية وأمين سر اللجنة العربية لمكافحة الصهيونية والعنصرية، وعضو الأمانة العامة لمؤتمر الأحزاب العربية، وعضو الأمانة العامة في التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة وعضو هيئة تحرير مجلة الفكر السياسي في اتحاد الكتاب العرب. مؤلفاته: 1-اسرائيل الكبرى والهجرة اليهودية- دراسة.1992. 2-الفكر السياسي الفلسطيني-1963- 1988- مطبعة رانيا عام 1993. 3-الصهيونية ايديولوجية عنصرية كالنازية (بالعربية عام 1968) و(الألمانية عام 1971). 4-الغزو الاسرائيلي للبنان- (مجموعة من الباحثين) دمشق 1983. 5- انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان العربي عام 1969. 6- الهجرة اليهودية وأثرها على طاقات إسرائيل الاقتصادية والعسكرية عام 1974 بالعربية وعام 1975 بالإنكليزية. 7- فلسطين والأمم المتحدة عام 1975. 8- عدالة وسلام من أجل القدس، باللغة الألمانية في فيينا، عام 1979. 9- النظام الإقليمي والسوق الشرق أوسطية عام 1994. 10- الصراع العربي - الإسرائيلي والشرعية الدولية عام 1995. 11- الشرق أوسطية إسرائيل العظمى، دمشق 1995. 12- الصهيونية زرع واقتلاع (اتحاد الكتاب العرب - دمشق) 1966. 13- ياسر عرفات من التوريط إلى التفريط - دمشق 1996. 14- القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية: من التطبيع إلى الهيمنة - اتحاد الكتاب العرب - دمشق عام نبذة مأخوذة من موقع اتحاد الكتاب العرب بدمشق عن الدكتور غازي حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *