أقلام الوطن

أسلمة “إسرائيل” وصهينة العرب

البروفيسور عبد الستار قاسم

يريد نتنياهو التحالف مع العرب السنة لمواجهة إيران الشيعية التي من المفروض وفق نظريته أنها عدوة أهل السنة وعدوة كيانه في ذات الوقت. طرح نتنياهو إعلاميا فكرة إنشاء حلف جديد في المنطقة يتخطى عملية التطبيع المتسارعة التي تقوم بها أنظمة عربية خليجية وغير خليجية. وهو يرى في مثل هذا الحلف ما يواجه الأخطار التي تحدق بهذه الأنظمة العربية وبكيانه الصهيوني.  هو حريص جدا على أهل السنة ويخشى على حوالي مليار ونصف سني من هيمنة حوالي 200 مليون شيعي. هذا ما يحاول هو والأمريكيون، إدخاله في عقول الأنظمة العربية الشبيهة بعقول العصافير أن أهل السنة سيذوبون بأهل الشيعة وسينتهي عندها الإسلام، وسيفقد المسلمون تبعا لذلك نعيم الجنة الموعودة والحور العين موضوع التمني. وبالتأكيد هو يكفر أهل الشيعة ويعتبرهم خارجين عن ملة الإسلام والمسلمين.

كرر الصهاينة والأمريكيون لحن الطائفية الإسلامية، ووظفوا جهودا إعلامية كبيرة لزرع الفتنة السنية الشيعية، وتعاون معهم العديد من أنظمة العرب الموالية لهم. وقد لاقت الفتنة بعض التجاوب من جماهير عربية وإسلامية دون أن تعرف هذه الجماهير عما يطرحه كل من أهل الشيعة وأهل السنة. عاشت الناس معا دون أن تسأل عن الطائفة أو المذهب حتى أتى هؤلاء الذين لا يرتعون جيدا إلا في أمم مجزأة يتخاصم أبناؤها ويقتتلون ويستعينون بقوى طامعة بعضهم ضد بعض.

وبسبب حرصه على الإسلام والمسلمين من أهل السنة، من المتوقع أن يبدأ نتنياهو بتلاوة آيات من القرآن الكريم لتذكير أهل السنة بالعبرة المنطوية عليها، وللتدليل على محبته لأهل السنة ورغبته في حمايتهم. ومن المحتمل أن يحفظ بعض الأحاديث التي تؤكد صحة طرح فرقة إسلامية وعدم صحة طرح فرقة أخرى. وبالتأكيد سيبذل جهودا كبيرة لإثارة الفتن المذهبية، وسيجد عربا يؤازرونه ويصنعون معه الشقاق والخلاف على الساحات العربية والإسلامية. وقد يستعين بشيخ جليل لكي يعلمه الوضوء والصلاة وباقي الأركان الإسلامية الشعائرية، ومن المحتمل أن نراه في أحد المساجد يؤدي صلاة الجمعة.

سبق للصهاينة أن استعملوا الفتنة المذهبية لشق صفوف الشعب الفلسطيني، وتوليد الخصومات والعداوات بين أبناء الشعب الواحد. استغل الصهاينة وضع الدروز (الموحدين)  للتأليب ضد بقية أبناء الشعب الفلسطيني، وفرضوا عليهم التجنيد الإجباري في الجيش الصهيوني والقوى الأمنية. وسيق هؤلاء إلى القتال على الجبهات ضد الجيوش العربية، وتم توظيفهم في مواقع أمنية في مواجهة إخوانهم الفلسطينيين. وعمل الصهاينة على تطوير ثقافة درزية منفصلة عن الثقافة العربية الفلسطينية، فأقاموا لهم مناهج تدريسية خاصة، وتلاعبوا بالأعياد ليصبح للدروز أيام أعياد جديدة وأنبياء جدد ومقار دينية مختلفة. وتطورت الأمور إلى أن أصبحت النظرات العدائية هي المسيطرة على العلاقات المتوترة بين الدروز وباقي الشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من وجود عناصر درزية صلبة وقوية تناهض السياسة الصهيونية وترفض الفصل والتجزئة إلا أن قوة الاحتلال ما زالت طاغية.

لعبت أمريكا وإسرائيل على حبل المذهبية وعملتا على استغلال خلاف كان نائما بين أهل السنة وأهل الشيعة. لم نكن نسمع من قبل اشتداد المقاومة في وجه الكيان الصهيوني عن مذاهب وصراعات دينية بين المسلمين، لكن، كما هو مألوف، يستغل الاستعمار والاحتلال كل ثغرة في المجتمعات المستهدفة لإحداث الفتن وتمزيق النسيجين الاجتماعي والأخلاقي. هكذا هي متطلبات نجاح المستعمرين والمحتلين. لقد عملوا على إثارة هذه الفتن في لبنان وسوريا والعراق، ووصل صدى أعمالهم إلى فلسطين ومصر والأردن. والمؤسف أن الذين اشتروا فتنهم هم من الذين يصفون أنفسهم بالإسلاميين.

في المقابل، توجهت أنظمة عربية عدة وعلى رأسها مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية نحو الاعتراف بالكيان الصهيوني وإقامة علاقات تطبيعية معه على كافة المستويات. وكما تحدث أحد المصريين على شاشة التلفاز إن إسرائيل صاحبة خبرات تنموية كثيرة، والأنظمة أقامت معها علاقات لتحقيق فوائد تنموية لشعوبها. هذا مثقف مصري يقدم نفسه خبيرا اقتصاديا، ولا يرى الفساد المصري الذي يعطل قدرات المصريين ويحرمهم من التنمية بسواعد مصرية. ومن المعروف أن أنظمة عربية خليجية وغير خليجية باقية تحت المظلة الأمنية الأمريكية والرعاية الصهيونية، وبالتالي تجد مصلحتها في الهرولة نحو الكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات معه. ومنهم من تصهين مثل محمد بن سلمان ووزير خارجية البحرين وداخلية الإمارات وغيرهم، وتبنوا الروايات التاريخية الصهيونية مغفلين كل الروايات التاريخية العالمية التي تدحض مزاعم الصهاينة بخصوص فلسطين. إنهم متصهينون أكثر من الصهاينة، وباتوا ينظرون لضرورة التعاون مع الكيان الصهيوني، وحشد كل الطاقات العربية في مواجهة إيران بالتعاون مع الأمريكيين والصهاينة. وهم بذلك يرون أنهم يقدمون لنتنياهو أوراق اعتماد تؤهلهم لمزيد من العون الصهيوني للمحافظة على كراسيهم وعروشهم. عرب كثر تصهينوا، وللصهاينة أن يبتهجوا بهذا التطور العربي الذي يعزز بقاءهم على الأرض العربية. ولكن ربما لاغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ما يصنع جوا سياسيا مختلفا فيعيدون التفكير بما هم فيه وعليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *