أقلام الوطن

بعد أن تكلم أردنيون…ماذا عن دفعة الانطلاق

د. عادل سمارة

لم ولن تتوقف المساهمات في قراءة الحدث الشعبي الأردني، كما لن تتوقف محاولات تفسيره بشكل خبيث كما لو كانبدفع سوري، ناهيك عن التذرع بثقل اللجوء السوري المنضبط والمضبوط في الأردن.
ولعل أكثر إشكاليتين جدليتين في هذا الحدث هما:
العوامل الكامنة
والمآلات.
العوامل الكامنة:
لم يعتد الأردن على حراك شعبي واسع كما هي هذه الحالة، كما لم يعتد على دور النقابات المبادر ولو في البداية لصنع هذا الحدث، وربما يمكننا القول بأن دور النقابات ثم الأحزاب ثم الجيل الشاب غير المؤطر هي جميعا من رحم تطور مجتمع مدني يأخذ هذه المرة المفهوم الأصيل، وليس المدجَّن، ل غرامشي بمعنى أن دور المجتمع المدني هو مواجهة هيمنةالمجتمع السياسي /الدولة أي التضاد والتناقض مع هيمنة البرجوازية، وهي في الحالة الأردنية بيروقراطية وطفيلية وفاسدة وغير استثمارية إنتاجياً وريعية وتابعة وتطبيعية ومشاركة بحذر الشرب وعدم الابتلال في ربيع سني السبع العجاف.
من هنا، فإن الحدث الشعبي الأردني، وخاصة في نظام هو نموذجي من حيث خبرات تنمية المخابرات وصولا إلى بناء اجهزة مخابرات في قُطريات عربية مثل الكويت وسلطنة عُمان وربما غيرها. نظام فيه ضبط أمني هائل واستيعاب موسع لقوة العمل في الجيش والأجهزة مما يُثقل على الميزانية بدل الاستيعاب الأوسع في خلق مواقع إنتاج ترد ما أُستثمر فيها وتضمن معيشة العامل. وهذا ما جعل الحراك الشعبي مميزاً ولافتاً.
صحيح أن الحراك اتخذ وواصل اتخاذ المستوى المطلبي. وهوامر ينظر إليه اصحاب النظرة التسطيحية بأنه أمر داخلي ذاتي محدود، وحتى لو هكذا فقط، فاي حراك هو درجة من الاحتجاج والرفض.
ولكن من يقرأ أحداث أي بلد في العالم من منظور مدرسة النظام العالمي لا بد وأن يقرأ الحدث في سياق علاقته ذلك البلد بالنظام الراسمالي العالمي وخاصة حين نتحدث عن الوطن العربي وبتخصيص أكبر في اللحظة الحاسمة حيث هجوم الثورة المضادة على امة بأكملها. هذا إلى جانب أن الأردن وفلسطين هما الأقرب لبعضهما بمختلف المستويات.
لقد تحدث عن هذا الأمر عدد من الخبراء الوطنيين والقوميين واليساريين الأردنيين وخاصة ليث شبيلات وسفيان التل وموفق محادين وبينوا جميعا، كما غيرهم، أن الخطورة إلى جانب السياسات الاقتصادية للحكومات الأردنية منذ عشرين سنة على الأقل ذاهبة باتجاه تفكيك أو تمييع الحضور الدولاني الأردني تسهيلا لصفقة القرن وخلق كيانات وظيفية تخترق تشكيلات سايكس -بيكو بما هو اخطر منها وصولا إلى أن يصبح الكيان الصهيوني ، كما أعتقد انا نفسي، وقد حقق ما يلي:
• الاندماج المهيمن في وعلى الوطن العربي.
• أن يكون الكيان متفوق على الوطن العربي عسكريا وتقنيا واقتصاديا.
• أن يكون ، إن أمكن، الكيان هو الأوسع حتى جغرافيا من اي قطر عربي، وهذا إن لم يحصل في الجغرافيا الأرضية لا بد أن يحصل بالهيمنة طبقاً للشرطين الأولين.
• تصنيع مختلف الكيانات الجديدة في الوطن العربي على اسس طائفية ومذهبية تبريرا ل “يهودية” الكيان.
من هنا، فإن الحراك الشعبي الأردني بهذا الاتساع والتعدد سواء من الطبقات الشعبية التي احترقت برفع سعر المحروقات وصولا إلى الطبقة الوسطى، اي الأكثرية الشعبية بلا منازع علاوة على حصول الحراك في كامل البلد، يذكرنا بالانتفاضة الأولى عام 1978 في المحتل 1967 حيث شمل كل قرية ومدينة.
هذا الحراك في الأردن شعاره أو مظلته اقتصادية مطلبية وجوهره رفض للنظام سياسيا واقتصاديا وثقافيا. رفض لتحالف النظام مع الثورة المضادة بثلاثيتها الإمبريالية والصهيونية ومعظم الأنظمة العربية.
إن رفض السياسات الاقتصادية هو رفض للسلطة نفسها، وإن عدم رفع شعارات إسقاط النظام أو نسب المخاطر إلى الملك نفسه، لا يعني ابداً بأن الشعب ليس ضد النظام علماً بأن اي نظام ليس مجرد الشخوص.
فرفض الحكومات وسياساتها هو رفض للنظام ودوره الداخلي وارتباطاته الإقليمية والخارجية.
المآلات: تم تشخيص الوضع في الأردن من قبل عديد الكتاب والمناضلين في الأردن، سواء من حيث نقد الخصخصة (يسمونها التخاصية) وتفتيت أثمان الخصخصة إما على تسديد ديون لم يتم إنفاقها استثماريا لخلق فرص عمل وبالطبع منتجات للسوق المحلي أو ربما للتصدير، ولم تستثمر لدخول باطن الأرض لاستخراج المخزون الثرواتي. كما تم تصريف الريوع التي فاضت إلى الأردن في ما بين الطفرتين النفطينين 1973-1985 على تشجيع الشره الاستهلاكي والاستعرض الإنفاقي سواء على الواردات الترفية أو بناء المدن الحجرية او توفير بنية خدماتية كالطبابة حيث كانت تجذب كثيرا من العرب. لكن ما حصل في الوطن العربي جفف إلى حد كبير موارد الريعين السياحي والطبي.
ويبدو أن إصرار السلطة/النظام على عدم الاستثمار في الثروات الطبيعية الموجودة في البلد والركون المقصود إلى الريع كان سياسة مقصود بها ان يبقى الأردن الحارس الشرقي للكيان وأن يبقى مصيره معلقا بهذا الدور. بغض النظر عن رفض الشعب لهذا الدور، وهذه نقطة تناقض أساسية بين الروح الشعبية وبين الدور الرسمي الوظيفي وهو ما تطلب بنية مخابراتية تسمع كل همسة.
وهذا الحال نفسه الذي يضيف أهمية على الحراك رغم ضخامة ماكينة القمع.
وهذا ايضا يبرز السؤال: هل اصبح النظام ديمقراطيا هكذا فجأة؟ هل الصمت الأمني متعلق بضخامة المشكلة والحذر من تفجرها عنفيا، هل السبب أن النظام ليس لديه ما يقدمه لحل الأزمة ولذا وجد ايضا أن القمع اخطر من التنفيس؟ هل لأن النظام يعتقد أن الحراك بلا قيادة جذرية ولذا سيتوقف، وبعدها تبدأ المحاسبات ؟ وهل يعتقد النظام ان الحراك سوف يعجز عن فرز قيادات؟ اسئلة عديدة تطرحها الحالة، وهذا برسم الحراك نفسه.
لكن السؤال الذي لا مناص من إجابته هو:
طالما أن تغيير مسار علاقات السلطة منذ إنشاء الإمارة وحتى اليوم هي في نطاق التبعية للغرب انتقالا من غرب إلى غرب، هو أمر لا يتم الخروج من بكبسة زر، فما العمل مؤقتا من أجل:
• إلغاء القانون الضريبي الجديد،
• توفير سيولة مالية لمواجهة الأزمة الجارية والضغوط التي يمارسها الريعيون العرب والغربيين.
أي توفير الدفعة الأولى لبدء انطلاق الحافلة. بديلا لمحاولة السلطة تسيير العجلة من جيوب شبه فارغة.
لا يبدو أن رئيس الوزراء الجديد، كما قيل عنه، سوف يذهب لوضع اليد على مليارات الفاسدين رغم أنها أموال اللبلد. فهذا أمر يحتاج إلى مهاتير محمد أو لينين. كما أن الدول والبنوك التي للفاسدين أرصدة فيها لن تسمح بعودة فلس واحد حتى لو بوجود حكومة على هوى هؤلاء، وهناك شواهد لحالات عديدة في العالم.
هل يذهب الأردن شرقا من جهة وإلى هلال المقاومة من جهة ثانية للحصول على الحقنة الأولى ومن ثم البدء بتشغيل الماكينة عروبيا ومقاوماتيا وشرقيا؟ وهو الطريق الوحيد الذي يمكن ان يأخذ الأردن إلى التنمية بالحماية الشعبية للبلد.
هنا بالضبط العقدة التي ليس حلها بكل تلك السهولة، وهذه المرة لا لأسباب اقتصادية تمويلية بل لأنها تنقل الأردن من دوره الوظيفي إلى اصطفافه ضد صفقة القرن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *