أقلام الوطن

الحرية

بقلم د. مصطفى البرغوثي
الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

“متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتُهم أحرارا” عبارة قالها ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب في دفاعه عن مظلوم قبل حوالي ثلاثة عشر قرنا فذهبت مثلا يستشهد به.
أما غاندي فقال ” أنت لا تستطيع مصافحة يد مقيدة” .
أما مارتن لوثر كينغ فقال ” إن الحرية لا تمنح طوعا ، بل تُنتزع من الظالمين”.
وما من مبالغة في القول أنه ما من شعب يعاني من غياب الحرية مثل الشعب الفلسطيني .
فما هي الحرية التي نناضل من أجلها ، والتي دفع عشرات الآلاف حياتهم ثمنا للحصول عليها ، وقدم مئات الآلاف سنوات عمرهم في الأسر لنيلها ؟
هل هي حق الشعوب في تقرير مصيرها دون إكراه؟
أو هل هي تحرر الشعب من قيود الاحتلال واضطهاده؟ أم هي حرية اللاجئين في ممارسة حقهم في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها؟
أم هي حرية التنقل في وطننا من مكان لآخر دون الخضوع لحواجز التفتيش ، وقيود الجدار، أو المنع من دخول مناطق شاسعة يحتلها المستوطنون المستعمرون ؟
أم هي حرية الطالب في الذهاب إلى أي جامعة يريد، وحرية المريض في تلقي العلاج واختيار مكان علاجه ؟
أم هي حرية أهل غزة في الدخول والخروج إلى باقي مناطق فلسطين أو إلى أي مكان يريدون السفر إليه؟
أليست هي حرية العبادة التي يحرم منها معظم الشعب الفلسطيني ؟
أم هي حقنا في الوصول إلى القدس المحاصرة؟
أم هي حق العامل في أن يتحرر من ما تتعرض له كرامته من إهانات على الحواجز ، وفي مكان العمل ، وفي معيشته ؟
أم أنها الحق في حرية التعبير والأقوال والأفعال سواء توافقت أم اختلفت مع الحكام وأصحاب السلطة ؟
أم هي حق كل فتى وفتاة في الحصول على التعليم المناسب، وفرص العمل التي تناسب كفاءاتهم دونما حاجة للجوء للواسطة أو المحسوبية؟
أم هي الحق في إختيار الرأي والإتجاه السياسي دونما خوف أو قلق؟
أم أنها حق الناس في إنتخاب من يمثلونهم ومن يحكمونهم دوريا ودون تأجيل أو تأخير؟
أم هي الحق في أن يعيش الإنسان بكرامة، وأن يتعلم بكرامة، وأن يعامل بكرامة؟
إنها كل ذلك وأكثر ، ولعلها المفتاح والمدخل الحقيقي للإبداع الخلاق والقدرة على العطاء والمشاركة، وهي السبيل لتحقيق السعادة الإنسانية التي يحلم الناس بها .
غير أنه كما قال مارتن لوثر كينغ ” فإن الحرية لا تمنح طوعا بل تنتزع انتزاعا من الظالمين”، وما من شعب حقق حريته دون أن يناضل من أجلها.
وإذا كانت العبودية هي أسوأ أشكال الحرمان من الحرية ، فإن أشد أنواع العبودية ذلاً، هو عدم إدراك المستعبد لعبوديته، وعدم معرفته بمعنى الحرية وطعمها، وبالتالي عدم قدرته على الكفاح من أجلها .
ولا يوجد أسوأ من الظالمين والمستعْبِدين إلا أولئك الذين يمتهنون ،من أجل مصالحهم ، تبرير الاستعباد والاضطهاد والقمع ، ويدعون للتعايش معه، وكما قال أحد الكتاب فان” هناك من يناضلون من أجل الحرية، وهناك من يطالبون بتحسين شروط العبودية”. وينطبق ذلك على من يحاولون الترويج لمشاريع تصفية الحقوق الفلسطينية.
صحيح أن معارك بعض الشعوب كانت أسهل من غيرها ، ولكن ذلك لا يغير حقيقة أنها جميعها ناضلت من أجل حريتها .
وليست صدفة أن اشد المتضامنين مع الفلسطينيين هي الشعوب التي قاست أكثر من غيرها في النضال من أجل الحرية، بعضها ناضل للتحرر من الإستعمار ، وبعضها ناضل للتحرر من الاحتلال ، وبعضها ناضل للتحرر من العبودية، وبعضها ناضل للتحرر من التمييز والإضطهاد العنصري، وكثير منها ما زال يناضل للتحرر من الفقر والعوز والتخلف التنموي ومن إستغلال الدول الأخرى لثرواتها.
ولذلك صدق قول نيلسون مانديلا عندما قال ” الحرية لا يمكن أن تعطى على جرعات فإما أن يكون الإنسان حراً أو لا يكون حراً.
في كل عقد ، وفي كل عصر ، تبرز قضية شعب مناضل من أجل حريته لتتصدر المشهد ، فتصبح قضية الضمير العالمي.
كفاح شعب الجزائر ضد الإستعمار إحتل ذلك الموقع في الخمسينات ، وفي السبعينات كانت فيتنام بنضالها ضد العدوان محط أنظار العالم، وفي الثمانيات جذب نضال الشعب الإيرلندي تعاطف العالم ، كما إحتل نضال شعب جنوب إفريقيا ضد الأبارتهايد موقع الصدارة.
وسواء أرادت إسرائيل أم لم ترد، و سواء أحب ترامب ذلك أو لم يحب ، فإن قضية الشعب الفلسطيني هي اليوم قضية الحرية الأولى في العالم .
وما من قول أبلغ من ما قاله نيلسون مانديلا يوم تحررت جنوب افريقيا ” إن حريتنا لن تكتمل بدون حرية الفلسطينيين ” وما أكده ” بأن قضية فلسطين هي قضية الضمير الإنساني الأعظم في عصرنا”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *