أقلام الوطن

 النكبة وحق العودة

د.غازي حسين

نؤكد بمناسبة  مرور الذكرى السبعين للنكبة أن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم هو جوهر قضية فلسطين، وهو الذي أدى إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، واندلاع المقاومة الفلسطينية المعاصرة.

وهذا الحق الذي يتمسك به اللاجئ الفلسطيني والشعب العربي والأمة العربية جيلاً بعد جيل، هو مبدأ أساسي من الحقوق الطبيعية للإنسان، والقانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو ملك للاجئ نفسه وليس لمنظمة التحرير الفلسطينية أو الحكومات العربية، ولا يجوز في هذا الحق الإنابة أو المساومة أو التنازل، ولا يزول بزوال الدول أو بتغيير السيادة أو بالتقادم.

 

ونؤكد  أن مشكلة اللاجئين نتجت عن مخططات الترحيل التي أقرتها المؤتمرات الصهيونية والوكالة اليهودية والحكومات الإسرائيلية بعد حرب عام 1948، ولا تزال حكومة نتنياهو تخطط لترحيل أبناء شعبنا العربي الفلسطيني من الداخل الفلسطيني لجعل الكيان الصهيوني دولة لجميع اليهود في العالم، و لإقامة أكبر غيتو يهودي استعماري و عنصري و إرهابي في قلب الوطن العربي، ولا نزال نسمع من قادة العدو الصهيوني عزمهم على شطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم.

تتضمن مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية ومنها المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق كل شخص في العودة إلى منزله في وطنه وضمان حقه في مغادرة وطنه بحرية والعودة إلى منزله كنتيجة طبيعية لحق المواطن الأساسي في حرية التنقل، وتعتبر أن العودة للأفراد الذين يرغمون على مغادرة وطنهم بسبب قوة قاهرة كالحرب حق ملزم، واتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة إثر نشوء مشكلة اللاجئين التي سببتها “إسرائيل” القرار (194) الذي نص على عودة اللاجئين إلى ديارهم في أسرع وقت ممكن وتعويضهم عن الخسائر والأضرار التي لحقت بهم.

نشأت موجة الهجرة الثانية جراء حرب حزيران العدوانية التي أشعلها الكيان الصهيوني عام 1967، ولا يزال يحتل فلسطين بأسرها والجولان السوري وتلال كفر شوبا ومزارع شبعا في جنوب لبنان، فاتخذ مجلس الأمن الدولي بتاريخ 14 حزيران 1967 القرار رقم (237) وطالب فيه “إسرائيل” المعتدية بتسهيل عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا جراء الحرب العدوانية إلى منازلهم.

بقيت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين منذ النكبة وحتى اليوم من دون حل بسبب رغبة الكيان الصهيوني في تهويد فلسطين وجعلها الوطن القومي لجميع اليهود في العالم، ورفضه وإنكاره لحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية غير القابلة للتصرف وفي طليعتها حق عودة اللاجئين إلى ديارهم. أن صراعنا مع العدو الصهيوني صراع وجود وليس نزاعاً على الحدود، وأن العدو ينطلق من الخرافات والمزاعم والأطماع والأكاذيب التي رسخها كتبة التوراة والتلمود في الأرض والثورات العربية، ويسخر الحروب العدوانية، أي استخدام القوة أو التهديد باستخدامها والاحتلال والضم والاستعمار الاستيطاني للهيمنة على الوطن العربي وإقامة “إسرائيل” العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد بدعم وتأييد كاملين من الامبريالية الأميركية وجامعة الدول العربية التي يقودها حالياً آل سعود وثاني ونهيان، ووصلت غطرسة وعنجهية قادة الكيان الصهيوني والصهيونية العالمية حداً ينكرون فيه مسؤوليتهم التاريخية عن نشوء مشكلة اللاجئين وعدم حلها، فجاء المؤرخون الإسرائيليون الجدد وعكفوا على دراسة وتحليل الوثائق الصهيونية، وخرجوا برأي هز قادة “إسرائيل” وأعلنوا أن ترحيلاً جماعياً قسرياً قد ارتكبته “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطيني عام 1948.

إن الشعب العربي الفلسطيني ومعه جميع الشعوب العربية والإسلامية والأحرار في العالم يؤكد وحدة الشعب والأرض والقضية، ويرفض مشاريع التوطين والوطن البديل، ويعبر عن حق اللاجئين الطبيعي والشرعي والقانوني في العودة إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم، وتعويضهم عن الخسائر والأضرار التي ألحقتها بهم دولة الاحتلال.

ونؤكد بشكل قاطع أن التوطين هدف ومصلحة صهيونية لوأد حق عودة اللاجئين، أصحاب فلسطين الأصليين و سكانها الشرعيين، ولتحويل الكيان الصهيوني إلى دولة لليهود عنصرية خالصة، و لتبرير إقامة الدول على أسس دينية وطائفية وعرقية في منطقة الشرق الأوسط.

لقد وافقت الأمم المتحدة في عام 1966 على العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية، وعلى العهد الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، و ينصان على حق كل فرد في مغادرة بلده والعودة إليه وعلى عدم جواز حرمانه من العودة بشكل تعسفي، ويتمتع العهدان بصفة إلزامية للدول الموقعة عليهما، وقانوناً للدول الأطراف فيهما.

وجاءت صفقة القرن لتنسف حق عودة اللاجئين إلى ديارهم تلبية لرغبة “إسرائيل” وانحيازاً سافراً لها، وتنكراً لجميع العهود والمواثيق والقرارات الدولية التي تؤكد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم.

إن الكيان الصهيوني  يتحمل كامل المسؤولية التاريخية والسياسية والمادية والقانونية والأخلاقية عن نشوء مشكلة اللاجئين، كما يتحمل المجتمع الدولي وبالتحديد الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية مسؤولية استمرار النكبة أي استمرار كارثة ومأساة اللاجئين الفلسطينيين والمحرقة على الشعب الفلسطيني.

وتجري في هذه الأيام محاولات على قدم وساق لاقتلاع أبناء شعبنا العربي الفلسطيني من النقب والجليل والقدس، وتهويد المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه بصمت مريب من جامعة الدول العربية في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى بتغطية منها كموافقتها على شطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم في مبادرة آل سعود التي وضعها اليهودي توماس فريدمان ووافقت عليها قمة بيروت العربية في 2002، وموافقتها على تبادل الأراضي لضم 85% من المستعمرات اليهودية إلى الكيان الصهيوني.

إن هذه المخاطر التي تحيق بشعبنا العربي الفلسطيني وحقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف في وطنه فلسطين، تضع الشعب والأمة والأحرار في العالم أمام مسؤولية الدفاع عن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وتنفيذه تطبيقاً للمبادئ الواردة في العهود والمواثيق والقرارات الدولية.

إننا نطالب من جامعة الدول العربية ولجنة المتابعة التابعة لها بالتوقف عن التنازل عن الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني وفي طليعتها حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، والتوقف عن دعم المفاوضات والموافقة على تهويد القدس وصفقة القرن لإرضاء الولايات المتحدة  والصهيونية العالمية، وذلك لإنجاح المشروع الصهيو-أميركي، وتصفية قضية فلسطين وإنهاء الصراع العربي الصهيوني.

إن الشعب العربي الفلسطيني ومعه الأمة بأسرها والأحرار في العالم يتمسك بحق العودة، ويرفض رفضاَ قاطعاً شطبه أو المساومة عليه، كما يرفض مشاريع التوطين والوطن البديل والكونفدرالية لتحويل الأردن إلى دولة  فلسطينية .

د. غازي حسين

عضو جمعية البحوث والدراسات-اتحاد الكتاب العرب بدمشق عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين –عضو رابطة الكتاب الاردنيين ولد بتاريخ 10/9/1938 في بلدة سلمة (قضاء يافا) التي احتلتها العصابات اليهودية المسلحة بعد مجزرة دير ياسين في أواخر شهر نيسان عام 1948. أنهى الدراسة الابتدائية والثانوية في كلية النجاح الوطنية بنابلس. انتخب عام 1954 كرئيس لمؤتمر الطلبة الأردني بلواء نابلس. اعتقل عدة مرات في الأردن ونفي إلى معتقل الجفر بسبب نشاطاته السياسية. بدأ دراسة الحقوق في الجامعة السورية بدمشق وأكملها في ألمانيا ونال هناك الماجستير في الحقوق عام 1962، ودكتوراه في القانون الدولي عام 1966، ودكتوراه في العلوم الحقوقية عام 1974. مارس تدريس القانون الدولي في جامعات ألمانيا ودمشق (المعهد العالي للعلوم السياسية). عمل كمستشار في القصر الجمهوري بدمشق وكسفير لمنظمة التحرير الفلسطينية لدى الحكومة النمساوية في فيينا، وكممثل للمنظمة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووكالة التنمية الصناعية (يونيدو) في فيينا. وشارك في أهم المؤتمرات الدولية التي عالجت قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني، و كمستشار قانوني ورئيس إدارة في الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية بدمشق، وعضو سابق في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، وعضو سابق في القيادة العامة لطلائع حرب التحرير الشعبية- قوات الصاعقة ورئيس الدائرة السياسية وأمين سر اللجنة العربية لمكافحة الصهيونية والعنصرية، وعضو الأمانة العامة لمؤتمر الأحزاب العربية، وعضو الأمانة العامة في التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة وعضو هيئة تحرير مجلة الفكر السياسي في اتحاد الكتاب العرب. مؤلفاته: 1-اسرائيل الكبرى والهجرة اليهودية- دراسة.1992. 2-الفكر السياسي الفلسطيني-1963- 1988- مطبعة رانيا عام 1993. 3-الصهيونية ايديولوجية عنصرية كالنازية (بالعربية عام 1968) و(الألمانية عام 1971). 4-الغزو الاسرائيلي للبنان- (مجموعة من الباحثين) دمشق 1983. 5- انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان العربي عام 1969. 6- الهجرة اليهودية وأثرها على طاقات إسرائيل الاقتصادية والعسكرية عام 1974 بالعربية وعام 1975 بالإنكليزية. 7- فلسطين والأمم المتحدة عام 1975. 8- عدالة وسلام من أجل القدس، باللغة الألمانية في فيينا، عام 1979. 9- النظام الإقليمي والسوق الشرق أوسطية عام 1994. 10- الصراع العربي - الإسرائيلي والشرعية الدولية عام 1995. 11- الشرق أوسطية إسرائيل العظمى، دمشق 1995. 12- الصهيونية زرع واقتلاع (اتحاد الكتاب العرب - دمشق) 1966. 13- ياسر عرفات من التوريط إلى التفريط - دمشق 1996. 14- القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية: من التطبيع إلى الهيمنة - اتحاد الكتاب العرب - دمشق عام نبذة مأخوذة من موقع اتحاد الكتاب العرب بدمشق عن الدكتور غازي حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *