تحاليل و تقارير ساخنه

لا دولة ولا دولتين بل ربما بقايا (أ و ب)! …حلقة 3

د. عادل سمارة
د. عادل سمارة

د. عادل سمارة

 

مقدمة

 

لسنوات عديدة ، كان الحل الرائد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني  هو حل الدولتين – دولة فلسطينية إلى جانب “دولة إسرائيل”. لقد أعرب معظم الجمهور الإسرائيلي عن دعمهلمثل هذا الحل. هذا أيضًا هو الحل المقبول بين معظم البلدان و المنظمات الدولية كما يتضح من قرارات عديدة لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. ومع ذلك ، ساد في السنوات الأخيرة ، الاعتقاد بأنه لا توجد طريقة عملية لفصل “إسرائيل” عن يهودا والسامرة (المعروفة أيضًا بالضفة الغربية) واكتسب شعبية اكثر. وعليه فقد تغير الخطاب العام لدى الطرفين وصار على “إسرائيل” والفلسطينيين إدراج حل بديل للصراع ، أي إنشاء دولة واحدة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن.ومن بين مؤيدي هذا البديل مواطنون عرب في “إسرائيل” وأعضاء اليسار في “إسرائيل” الذين يرون أن الدولة الواحدة يجب أن تتخلى عن تعريف “إسرائيل” كدولة يهودية، لذا يطرحون بدلاً من ذلك أن تكون مثل هذه الدولة ثنائية القومية ، يهودية-فلسطينية  أو لا قومية.

لكن فكرة التخلي عن الهوية اليهودية للدولة غير مقبولة لدى غالبية المواطنين اليهود في “إسرائيل”. لذلك ، داخل الجمهور اليهودي في “إسرائيل” ، يدعم معظم المدافعين عن فكرة الدولة الواحدة دولة يجب أن تحافظ على طابعها اليهودي. وفي نفس الوقت، فإن معظم الجمهور أيضًا مهتم بالحفاظ على الطابع الديمقراطي للدولة.

(سيجد القارىء تكراراً ليهودية وديمقراطية الدولة كقاعدة عامة لكافة الخيارات التي تتعامل الدراسة معها وكلا الشعارين عنصري، فاليهودية تعني أن لا مكان لأهل الأرض الأصليين فيها سوى هامشيا، وديمقراطية حيث تفترض ان العربي ليس ديمقراطيا.ع.س) تواجه إقامة  الدولة الواحدة صعوبة الحفاظ على كونها دولة يهودية الطابع من جهة وديمقراطية من جهة ثانية وذلك بسبب التكوين الديمغرافي لها. فتوسيع أراضي الدولة لتشمل يهودا والسامرة سيزيد من عدد الفلسطينيين بين السكان.اعتبارًا من كانون الأول 2020 ، بلغ عدد سكان دولة “إسرائيل” 9.3 مليون نسمة(بما في ذلك سكان المستوطنات) .

من هذا العدد  حوالي 1.95 مليون عربي يقيمون داخل “إسرائيل” ، معظمهم يعرّفون أنفسهم كفلسطينيين. وهذا يشمل سكان القدس الشرقية الذين يشكلون حوالي 350.000 شخص. العدد الدقيق للفلسطينيين في الضفة الغربية فهو مثير للجدل. يقدر البعض أن هناك أقل من 2 مليون ، على الرغم من ذلك و بحسب معظم التقديرات فهو يقارب 2.5 مليون فلسطيني وعلى الأرجح أكثر. أيا كان التقدير الذي يتم اختياره ، فإن إضافة فلسطينيي سكان الضفة الغربية لدولة إسرائيل يعني أنه سيكون فيها أكثر من 4 ملايين فلسطيني ، بمن فيهم المواطنون العربفي إسرائيل ، من أصل حوالي 11 مليون ساكن. بعبارة أخرى ، الفلسطينيون سيشكلون ما يقرب من 40 ٪ من السكان.

في معظم مقترحات الدولة الواحدة ، لم يتم تضمين قطاع غزة ضمن أراضي الدولة والمنطق وراء ذلك واضح بحسب ما تشير  مختلف التقديرات حيث أن حوالي 2 مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة (هنا كتقديرات مختلفة حول هذا الرقم أيضًا). لذلك بإضافة سكان قطاع غزة سيشكل الفلسطينيون ما يقرب من نصف السكان. بالإضافة إلى ذلك ، فإن إدراج غزة كجزء من الدولة سيضيف إليها منطقة منكوبة بالفقر والتتخلف وهذا يتطلب إنفاق كثير من  الموارد. علاوة على ذلك ، لا توجد لغزة أية أهمية  أيديولوجية أو قيمة استراتيجية من وجهة نظر “إسرائيل” ، على العكس من منطقة يهودا والسامرة. إضافة إلى أن “إسرائيل” لا تسيطر  حاليًا على غزة، ولا توجد في غزة حكومة مستعدة للتفاوض مع “إسرائيل”. إن إدراج قطاع غزة  في أراضي الدولة يتطلب استعادته بالقوة. وفي الوقت نفسه، فإن عدم وجود حل لقطاع غزة يعني أنه لن يتم حل الصراع بشكل كامل.سواء تم ضم غزة أم لا ضمن أراضي الدولة  فإن حل الدولة الواحدة يؤدي  إلى خلق أقلية فلسطينية كبيرة. ونظرا إلى الرغبة في الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة ، فإن هذه الأقلية ستخلق توترا داخليا في الدولة كي لا تتخلى عن تطلعاتها الوطنية.

من المتوقع أن يشكل هذا التوتر والاحتكاك تحديا خطيرا لاستقرار الدولة ، لا سيما أنه ينطوي على شعبين لهما تاريخ طويل من الصراع والتنافس وانعدام الثقة. فالمواجهات العنيفة بين العرب واليهود داخل محيط “إسرائيل” في مايو/أيار 2021 تعكس بوضوح هذه التوترات وتداعياتها المحتملة ، حتى بعد عقود من العيش معًا فينفس الدولة مع الحقوق المدنية الكاملة.علاوة على ذلك ، إذا مُنح الفلسطينيون حقوقًا مدنية متساوية في الدولة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على المستوى الوطني يتعارض مع المصالح القومية اليهودية ويمكن أن يؤدي إلىزوال الهوية اليهودية للدولة. كما ان عدم منح الحقوق المدنية الكاملة للفلسطينيين في الدولة – بما في ذلك المواطنة الكاملة والحق في التصويتوالانتخاب في حكومة الدولة ، وحرية الحركة ، والحق في اختيار مكان الإقامة ، وتكافؤ الفرص ، وأيحق أساسي آخر يتمتع به مواطنو الدولة – يتعارض مع الطابع الديمقراطي للدولة. تركز معظم المناقشات العامة حول حل الدولة الواحدة على مسألة ما إذا كان يمكن تنفيذها مع الحفاظ على كل من الطابع اليهودي للدولة والطابع الديمقراطي ايضا للدولة.يقول معارضوا الفكرة  بأن مثل هذه الدولة يمكن أن تكون يهودية أو ديمقراطية ولكن ليس كليهما ، خاصة فيفي ضوء تكوينها الديموغرافي. بالمقابل ، يدعي أنصارها أن هذا المزيج ممكن بالفعل وبدلا من ذلك ، يشعرون أنه يمكن التخلي إما عن مكونات الهوية اليهودية أو الديمقراطية للدولة.

 

ومع ذلك ، لإجراء مناقشة جادة حول الآثار المترتبة على الدولة الواحدة كبديل ، من المفيد إجراء تقييم يتجاوز مسألة ما إذا كان يعني نهاية الدولة اليهودية / الديموقراطية ، وفحص الجوانب الأخرى ذات الصلةوالمتعلقة بكيفية عمل مثل هذه الدولة وفرص نجاحها في حل دائم ومستقر للصراع. هذا هو الهدف من التحليلالمقدم هنا.البديل الكلاسيكي للدولة الواحدة يتعلق “بإسرائيل” كدولة على أراضيها التي تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن (مع إمكانيةأن تشمل قطاع غزة) دون أي حدود داخلية. يتم تطبيق القانون الإسرائيليعلى هذه الأرض بأكملها ، وتطبق الحكومة ومؤسساتها سلطة كاملة و مباشرة لها على جميع أجزاء الدولة. هذا النموذج معروف كحل دولة موحدة.حل الدولة الموحدة يثير القلق بشأن استقرار الدولة ، بالنظر إلى تلك المعارضة المتوقعة بين الفلسطينيين الذين سيكونون  جزءًا من دولة ذات الطابع اليهودي. لذلك ، يُقترح التقسيم الداخلي للدولة ، مع تزويد الفلسطينيين بمستوى معين من الحكم الذاتي. النموذجان الرئيسيان في هذا السياق هما نموذج الحكم الذاتي الفلسطيني ،حيث ستكون هناك أرض فلسطينية مستقلة داخل الدولة ، ونموذج الاتحاد ، حيث تقسم الدولة بحيث يتم منح المناطق الفلسطينية واليهودية بعض الصلاحيات كحكومات للمقاطعات.

 

يتبع ….

حلقة 2

حلقة 1

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *