بيانات و تصريحات

بيان من تيار فلسطين الحرة الديمقراطية الى الشعب الفلسطيني في كل مكان

في خطوة مشبوهة اماطت اللثام عن زيف ادعاءات الاتحاد الأوروبي عن ان دعمه للمنظمات المدنية الفلسطينية غير مشروط، وعن انه يهدف الى رفع مستوى حياة الفلسطينيين المدنية. فقد قام هذا الاتحاد مؤخرا بإضافة شرط اخر الى ملحق عقود التمويل للمؤسسات المدنية الفلسطينية يلزمها بعدم التعامل مع الأفراد أو الجماعات التي يصنفها الاتحاد “إرهابية.” ويشمل هذا الحظر جميع العاملين والمتعاقدين والمستفيدين والمتلقين لهذه المساعدات.
ولا تستهدف هذه الخطوة اضعاف المجتمع المدني فحسب، بل تهدف بالدرجة الاولى الى ضرب المقاومة وتجريمها حتى في صورها الأكثر سلمية. فهذه الخطوة تتصدر مخططات التدجين الشعبي الى ابعاد أعمق ضمن الاستراتيجية الهادفة الى ارباك الشعب الفلسطيني حتى يتمكنوا من تصفية قضيته الوطنية. كما ان هذه الخطوة تشكل صفعة جديدة للسلطة الفلسطينية، وتضيف عار اخر الى سجلها الحافل المشين. كشفت هذه الخطوة هزالة السلطة وتورطها في هذه المسيرة، حيث دأبت على قمع المقاومة، وقمع كل أشكال النضال الشعبي، تحت ذريعة انها تتخذ من “النضال الدبلوماسي” أسلوبا لإجبار الكيان الصهيوني على الالتزام بالقانون الدولي. ما يشهده ويثبته الواقع هو هزائم متكررة ومخزية للسلطة، وانه ليس لها اي دبلوماسية وطنية فعالة. بل ان دبلوماسيتها تشكل امتدادا لسياستها العقيمة، التي كانت سببًا من أسباب موقف الاتحاد الأوروبي بزيادة القيود المفروضة على تمويل منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، وذلك لضرب أي نفس شعبي فلسطيني مقاوم. ولا يمكن النظر إلى خطوة الاتحاد الأوروبي هذه الا في سياق التنسيق مع الاستعمار الصهيوني الاستيطاني، واستمراريته في ابتكار آليات جديدة لفرض السيطرة.
كما تفضح هذه الخطوة بشكل صريح حقيقية اهداف ودور دكاكين الان جي اوز (الانجزة) الممولة من الغرب، الا وهي المساعدة في تمرير اجندات اجتماعية خفية تقصد تحقيق اهداف سياسية على الأرض. فثمانين بالمئة من ميزانية المنظمات الفلسطينية غير الحكومية تمول من قبل الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. وقد بلغ عدد منظمات الانجزة الى أكثر من ٢٤٠٠ مؤسسة، تتلقى أكثر من ثلاث مليارات دولار سنويا، ما يفوق ميزانية السلطة الفلسطينية برمتها. ولا يظهر لهذه الأموال الطائلة أي أثر انمائي حقيقي. لا لا بل انها زادت من ظاهرة الفساد داخل هياكل الانجزة بشكل موازي للفساد في السلطة، بل وتتقاطع معه لعدم وجود من يراقب. فالفاسد لا يمكنه محاسبة فاسد.
في مرحلة الجزر الوطني، وانحسار الروح الثورية، ينشط الأعداء بالتمدّد والتوغّل داخل الجسم الفلسطيني، ليعبئوا الفراغ بأدواتهم الملغومة بأشكال عديدة. أحد أخطر هذه الاشكال هو ضخ الأموال داخل بنية المجتمع، لحشو الفراغ الوطني والثقافة الوطنية بين الجماهير، ولحرف بوصلة النضال وتشويه الهويّة الوطنية الجامعة لهم. يتم ذلك من خلال دك مصطلحات تدعو بظاهرها الى نشر الديمقراطية، والتثقيف حول أسسها ومبادئها، داخل الجسم الثقافي الفلسطيني، بينما يمتلئ باطنها بالموت، كمن يدس السم داخل الحلوى.
هكذا يتم اختراق حقلي الثقافة والفنون مثلا اللذان يشكلا صلب المجتمع العربي الفلسطيني، وعماد هويته الفلسطينية، وهكذا يتم تدمير الهوية الثقافية الوطنية والعربية، ويتم تدمير شعر وادب ومسرح المقاومة، وابدالها بالثقافات الغريبة “الأكثر اضاءة وانارة،” واغراق الساحات الثقافية الفلسطينية بها تحت عناوين الحداثة المغرضة. لكن الغرض الأساسي هو ضرب الادب المقاوم وثقافة النضال، وتمثيل الثقافة الوطنية والفولكلور الوطني الفلسطيني على انه أصبح باليا ومهترئا قد عفي عليه الزمن، وانه في زمن التكنولوجيا والمعلومات أصبح علينا ان نبتعد عنه ونستبدله لنتقدم الى الأمام.
فمركز الوجود والتقدم والفكر والقيم الإنسانية تتمثل في قيم الغرب النيو ليبرالية، ووجب الابتعاد عن مسيرة النضال البالية التي لم تعد تنسجم مع العصر والحداثة. فتصبح الألوية عندئذ للتقارب الإنساني، والتسامح والحوار بين الانسان والانسان، والتخلي عن الأفكار الوطنية البائدة، التي عفي عليها الزمن، والبدء من جديد في مسيرة التساوي مع الصهاينة على أساس التعادل والتناظر، وفتح صفحة جديدة من خلال نبذ العنف، واستخدام الحوار العصري والانساني لتحقيق العيش المشترك بسلام ووئام، وإخضاع العدو على القبول بحقوقنا الوطنية من خلال اقناعهم بإنسانيتنا وتطورنا، وجعلهم يرون مساوئهم، ويخجلون من أعمالهم ومسيرتهم الاستعمارية الفاشية.
فهذه الانجزة الممولة غربيا لها ابعاد ثقافية واجتماعية بأبعاد سياسية، تشجع الاتكالية، وتهبط الاعتماد على النفس، وتروج للاستهلاك على الطريقة الغربية، لتدعيم الاعتماد على الغرب كسوق استهلاكي خاضع، وخلق مجتمع سطحي، يشبه الغرب بالصورة وطرق الاستهلاك، لكنه فارغ من قيمه وهويته الوطنية، وروحه وقلبه الفلسطيني العربي. بذلك يتم بشكل نهائي انهاء الصورة الاصيلة للإنسان الفلسطيني بلهجته ومظهره وعواطفه وروحه، ولا يبقى منه سوى الجسد الذي يكدح ويأكل ويعمل ويكد من اجل لقمة العيش، ذليلا بدون كرامة او غزة، مقدمة لانتزاعه من التاريخ كشعب. وبذلك تتم السيطرة على كامل ارض فلسطين مقدمة للسيطرة على الوطن العربي بمجمله.
نحن في تيار فلسطين الحرة الديمقراطية ما فتئنا ندعو الى رفض اعتماد المجتمع الفلسطيني المدني على المساعدات من الدول الغربية، وخصوصا تلك الملطخة ايديها بدماء شعبنا العربي الفلسطيني عبر التاريخ ولا تزال، من اجل تمويل المؤسسات والمشاريع المحلية المشبوهة. وندعو للعمل من اجل بناء مجتمع مدني يرتكز على إعادة التنظيم الاجتماعي بالاستناد إلى الموارد المحلية المتمحورة حول العنصر البشري، والعمل التطوعي، وانشاء الاقتصاد المقاوم البديل، والانفكاك عن الاقتصاد الصهيوني بشكل مبرمج وتدريجي. كما ندعو القوى الوطنية والشعبية المخلصة الى البدء بإطلاق مشاريع حيوية تعمل بشكل جماعي واستراتيجي، للتخلص من الاعتماد على المساعدات الدولية المشروطة سياسيًا وأيديولوجيًا، ومن تلك التي تفرض قيود عديدة على المجتمع المدني للمساهمة في فصلة عن قضيته الوطنية، وجره ليلعب دورا كابحا وسلبيا في مسيرة النضال الوطني، وتهيئة الجو الجماهيري لتأييد مشاريع التسوية والاستسلام.
ربما تكون خطوة الاتحاد الأوروبي ضارة نافعة. حيث يمكننا، إذا أحسنّا التصرف، اعتبارها فرصةً للبدء في التفكير بأساليب استراتيجية جماعية، تتجاوز المساعدات الغربية وقيودها، وفتح إمكانيات البدء في البحث عن موارد بديلة في فلسطين وفي الشتات، واستكشاف امكانيات التوجه الى الدول الصديقة، والتواصل مع حركات المجتمع المدني المؤيدة لفلسطين بحق، ومجموعات التضامن المؤيدة للقضية الفلسطينية حول العالم، التي من شأنها توفير منابر دولية للمناصرة، وتأمين مصادر مالية للمساعدة في إعادة بناء المجتمع المدني الفلسطيني وفقًا لخطوط وطنية مناضلة حقيقية بديلة.

 

 انتهى زمن الاتكال وحان وقت العمل الحقيقي الجاد!

تيار فلسطين الحرة الديمقراطية

نيسان ٢٠٢٠

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *