أقلام الوطن

العودة إلى الأصل

شاعر أرنون ساهر يحيى

ساهر يحيى

 

الانسان كائن صغير في الكون الفسيح ، وجزء من نظام كوني لا متناهي الدقة ، معرّض للانقراض والموت والفناء نتيجة معادلات النظام لأنه في أصل تكوينه نتيجة اوبئة اجتاحت الأرض خلال التاريخ السحيق ، أوبئة أفنت كائنات واستبدلتها بأخرى ، والاوبئة بدورها جزء من نظام متكامل له معادلاته تنتقي الطبيعة منها الاقوى في كل المخلوقات . والانسان واحد من هذه المخلوقات له دوره ورسالته إلى أن يرث الله الأرض وما عليها .

الفايروس ” كورونا ” العجيب شغل البشر وفرض عليهم خلال مدد زمنية قصيرة تغيّير في الأولويات كأفراد ومجتمعات من “الكماليات” و”الشكليات” و”الماديات” و”شراهة الطموح” الى “غريزة البقاء” و”القبول بالقليل” من أجل الإستمرار في الحياة .

إن شحذنا ذاكرتنا نعود إلى إدراك هام مفاده “الصحة هي القيمة العليا وتأتي في سلم الأهمية قبل كل شيى” حيث أننا بدغدغة بسيطة من الطبيعة عدنا إلى “حجمنا الطبيعي” وإلى حين ، إذ لا نلبث بعيدا عن الغرور والاستكبار إلا قليلا .

من عظمة الخالق جل جلاله أن سخر الفايروس المتناهي الصغر لأثبات أن العالم وحدة متكاملة ، وأن الحدود المرسومة بين البلاد بفعل جشع الأنظمة الجبرية لا تعدو كونها لعب أطفال لا تعني الطبيعة بشيء ، وليست سوى وهم ترسخ في مخيلاتنا المريضة به ، وان كوكب الأرض بقدر ما هو عليه من حجم كبير يعبره فيروس مجهري بسرعات عجائبية غير آبه بأي اعتبارات وبأي حدود ولأي حراس وأي أنظمة تقمع تنقل وعبور البشر بين البلاد .

هل اتعظنا ؟ … إن تحقق ذلك علينا العودة إلى التواضع بين يدي الله تعالى في ملكوته الأرضي ، وزرع المحبة بيننا من جديد ونشر قيم الخير والجمال والمساندة والتعاضض فيما بيننا . علينا العودة الى عائلاتنا واحبتنا ومجتمعاتنا المتهاوية إلى القاع بفعل أجندات حكام مستبدين جهلة تدمر تربية وطموح الأجيال ، وحروب ظالمة تدمر الحب والحياة .

علينا نبذ الأحقاد والفتن وتقدير الحياة والطبيعة والاشياء الصغيرة لنستمتع بالسلام الداخلي ، علينا الإهتمام بالامور البسيطة الجميلة وبالاوقات الثمينة التي ننساها أو نتناساها ظنّا منا اننا خالدون الى الابد .

والمؤكد أننا لن نتراجع عن تحقيق طموحاتنا المحقة في العيش الكريم وتفعيل أحلامنا بنقلها إلى واقع حقيقي بوطن عربي واحد موحد نعيش فيه بكرامة .

أما نحن العرب نطلب حياة بسيطة جميلة بعد أن غدت صعبة المنال في بلادنا التي تحكمها أمزجة حكام كتموا أنفاسنا ونعاني من جشع أسيادهم في الدول الكبرى التي تنهب ثروات بلادنا وتقتل أبنائنا أو تستخدمهم كعجلات لتشغيل مكنات ترفيه شعوبها .

اليوم وامام عظمة الله ودقة وتناغم الطبيعة من المهمّ العودة إلى الأصل في الوجود ، العودة إلى الله سبحانه وتعالى ، وفي البدء العودة إلى الذات ( وفيك انطوى العالم الأكبر ) ، ولتكن هذه الفترات العصيبة فرصة حقيقية لكل منا ليفكر بجدية وعمق في مبررات وجوده على الأرض والغاية المثلى من حياتنا .

لنتوقف عن الركض واللهاث خلف البدع الغرائزية والأوهام ولننظر الى أنفسنا وحياتنا ونعيد ترتيب افكارنا بإيجابية قبل كل شيء . متسلحين بحكمة قديمة مفادها ” الخوف لا يوقف الموت ولكنه يوقف الحياة ” .

20 . 3 . 2020
ساهر يحيى . بيروت . لبنان

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *