أقلام الوطن

في يوم المرأة العالمي: المرأة الفلسطينية : ملاحم من الصبر والتضحيات

نواف الزرو

نواف الزرو

 ان كنا نفتح عادة بمناسبة اليوم المجيد …الثامن من آذار/ اليوم العالمي للمرأة/ فاننا نفتح ملفات مسيرة المرأة العربية في المجتمع والنضال من اجل التطور والرقي الحضاري والتحرر الاجتماعي والسياسي على حد سواء،

وان كان لنا ايضا ان نفتح ملفات المرأة العربية في هذا اليوم المجيد على نحو حصري، فاننا بالضرورة نفتح ملف المرأة الفلسطينية باعتباره اهم وابرز الملفات، لما للمرأة الفلسطينية من دور نضالي متميز في مقارعة مشاريع واجتياحات الاحتلال البريطاني والصهيوني على مدى القرن الماضي وعلى مدى الانتفاضات الفلسطينية…

وفي هذا السياق النضالي، لعبت المرأة الفلسطينية، وما تزالت، دوراً هاماً في  عملية البناء  الحضاري الشامل، الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، والسياسي، وكان لها دائما علاقة خاصة مع الأرض، فارتبطت بها عبرعلاقات مادية وثقافية ومعنوية، ترجمت في العديد من الكتابات الادبية، ساهمت في توطيد العلاقة بين الثقافة والشعر والأرض والمرأة.

غير ان  المرأة الفلسطينية تميزت اكثر ما تميزت بعلاقتها النضالية الكفاحية دفاعا عن الارض والعرض والحقوق، وكان ذلك جنبا الى جنب مع الرجل ..الزوج او الابن او الاخ او القريب…الخ.

وعهد المرأة الفلسطينية في عملية النضال الوطني الفلسطيني يعود إلى بدايات الصراع على أرض فلسطين في مواجهة الاستعمار البريطاني والمشروع الصهيوني معاً، وان كان دور المرأة قد تميز عملياً بالنشاطات والممارسات غير العنيفة، وتميز على نحو اوضح واعمق واوسع خلال الانتفاضتين الاولى والثانية.

فوفق جملة من الشهادات والوقائع هناك في فلسطين، فقد ارتقى دور المرأة الفلسطينية الى مستوى استشهادي وخنساوي لم يشهد  التاريخ له مثيلا.

فبينما لم يعرف التاريخ العربي الإسلامي سوى خنساء واحدة، هي الشاعرة العربية المشهورة الخنساء – تماضر بنت عمرو –  التي استشهد أبناؤها الأربعة في معركة القادسية سنة 14 هجرية، التي قالت حينما بلغها الخبر: “الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته”، فقد عرف التاريخ الفلسطيني المعاصر عشرات الخنساوات-النساء الفلسطينيات- اللواتي فقدن اطفالهن وابناءهن فلذات أكبادهن في انتفاضات المواجهة مع الاحتلال دفاعا عن الارض والوطن والبقاء والوجود…!

عشرات الخنساوات الفلسطينيات اللواتي تحكي لنا كل واحدة منهن حكايات وملاحم بطولة وتضحيات واباء لا مثيل لها في تاريخ المرأة على وجه الكرة الارضية..!.

وهذا ليس من قبيل المبالغة، فالقصص والوقائع التي تتحدث عن حضور ودور المرأة الفلسطينية متصلة منذ ما قبل النكبة الفلسطينية، مرورا بعشرات الانتفاضات والهبات الجماهيرية الفلسطينية، وصولا الى الراهن في المشهد الفلسطيني، ونحن على اعتاب الذكرى العاشرة لانتفاضة الاقصى .

فالشاعرة الفلسطينية رحاب كنعان فقدت 54 شهيداً من أفراد عائلتها في جريمة صهيونية يقشعر لها الأبدان.. البيادر السياسي”2009/7/16″.

ولعل حكاية ام نضال الملقبة بخنساء فلسطين، هي الاقرب الى الذاكرة الفلسطينية والعربية، حيث اقتحمت صورتها كل بيت عربي، وتروي المصادر الفلسطينية، انه في الوقت الذي كانت فيه “أم نضال” فرحات، التي يطلق عليها الغزيون اسم “خنساء فلسطين”، تستعد هي ومجموعة من زوجات وأمهات الشهداء للذهاب إلى مخيم جباليا لتقديم واجب العزاء في شهداء مجزرة جباليا، جاءها نبأ استشهاد نجلها الأصغر، رواد، وهو الثالث الذي تفقده من أبنائها شهيداً خلال هذه الانتفاضة، وكان لأم نضال ستة من الأبناء الذكور، هم نضال، ووسام، وحسام، ومؤمن، ورواد، استشهد منهم ثلاثة، وبقي ثلاثة على قيد الحياة، أحدهم معتقل، والآخر مطلوب لقوات الاحتلال”، وقالت “أم نضال” بعد استشهاد نجلها الثالث:”والله فرحانة من كل قلبي، صحيح فرقة الابن غالية، خاص وأنّ رواد هو اصغر أولادي، ولكن والله لا يعزّ ولا يغلى شيء على الله”.

وكذلك حكاية فاطمة الجزار الشهيرة باسم خنساء رفح التي استقبلت نبأ استشهاد ابنها الرابع محمد الشيخ خليل لينضم لسبعة من أبناء العائلة استشهدوا بنيران الاحتلال هم أشرف وشرف ومحمود أبناء الحاجة فاطمة، واثنان من أحفادها، وزوج ابنتها، إضافة إلى أخيها، قائلة: “أدركت أن هذا هو قدر الله، فأخذت أزغرد وأصرخ بصوت عال، ووقفت أوزع الحلوى بفخر على من جاء يواسيني”.

وكان لسان حال خنساء رفح يقول: “لا حل إلا بالجهاد والمقاومة، وسأستمر في تقديم الشهداء حتى يأذن الله بالنصر… على استعداد أن أقدم باقي أولادي من أجل القدس، فلن تكسر دبابات الاحتلال إرادتنا، وسنبقى على العهد ما بقينا”.

وهناك حكاية الحاجة أم إبراهيم الدحدوح والدة الشهداء ( أيمن وخالد ومحمد) وحماة الشهيد القائد أمين الدحدوح، التي قالت أنها تفتخر بأن قدمت  ابناءها فداء للوطن، مضيفة:”شعوري كشعور كافة أمهات الشهداء .. الحمد لله رب العالمين .. إنني افتخر أن قدمت ثلاثة من أبنائي شهداء في سبيل الله و فداءً للدين وللوطن كما أمرنا الله، ومستعدة أن أضحي بالخمسة الباقين لأجل ذلك ؛ فما يهمنا هو رضا الله”.

وهناك ايضا حكاية الحاجة أم بكر سعيد بلال ـ 65 عاما ـ شجرة الزيتون الرومية- التي قامت قوات الاحتلال باعتقالها بعد مداهمة منزلها والعبث بمحتوياته غرب مدينة نابلس”، وأم بكر هي والدة خمسة أسرى فلسطينيين أشقاء يقبعون في السجون الإسرائيلية، وباعتقال السيدة التي تعتبر اكبر أسيرة فلسطينية على الإطلاق يصبح ستة أشخاص من عائلتها قيد التحقيق في المركز العسكري”.

   لقد تطور أداء المرأة الفلسطينية الوطني النضالي خلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى 87-1993، حيث انخرطت في العملية الانتفاضية في كافة مظاهرها واشكالها ووسائلها ومجالاتها امتداداً من اتحادات مجالس الطلبة الجامعية، مروراً باتحادات المرأة بأنشطتها المتعددة، وانتهاءاً بالمشاركة الميدانية الفعلية إلى جانب الرجل في المظاهرات والصدامات، وكل ذلك إلى جانب دورها في إقامة العيادات الميدانية لتوفير العلاج السريع لجرحى الانتفاضة، فضلاً عن دور اتحاد المرأة في إنشاء وتأسيس رياض الأطفال في المدن والقرى والمخيمات لتوفير التعليم المناسب للأجيال الفلسطينية وتعبئتها وطنياً، وحسب التقارير والدراسات البحثية الفلسطينية فقد لعبت المرأة الفلسطينية دوراً كبيراً خلال الانتفاضة الأولى ساهم إلى حد كبير في استمرار الانتفاضة وتحمل أعبائها وتضحياتها وضغوطاتها المختلفة، وخاصة على الصعيد الاقتصادي، حيث كانت المرأة تحمل كميات كبيرة من الحليب والدول والمواد الغذائية وتتسلل مخترقة الحصارات والأطواق العسكرية لمساعدة أهالي القرى والمخيمات المحاصرة فضلاً عن دورها في الزراعات البيتية وخبز الطابون مما ساهم في توفير سبل الصمود والاستمرار.

وقد تعرضت المرأة الفلسطينية خلال الانتفاضة الأولى إلى القمع والقتل والاعتقال والتعذيب مثلها مثل الرجل تماماً (حول العناوين والتفاصيل المشار إليها حول دور المرأة خلال الانتفاضة الأولى أنظر دور المرأة في الانتفاضة).

لقد تعاظم دور المرأة الفلسطينية خلال مرحلة الانتفاضة الكبرى الثانية/2000، نظراً لضخامة ومساحة الحرب والجرائم الصهيونية المقترفة ضد الشعب الفلسطيني من جهة، ونظراً لضخامة التضحيات والمعاناة الفلسطينية في كافة مجالات ومرافق الحياة من جهة ثانية.

فإن تحدثنا عن المشاركة المباشرة في فعاليات وأنشطة الانتفاضة الميدانية، فقد حالت الصدامات والاشتباكات والعمليات الحربية والحواجز العسكرية والمطاردات النازية وأرتال الدبابات والجرافات وأسراب القاذفات والمروحيات الصاروخية الاحتلال دون نزول المرأة الفلسطينية على الشارع بنفس القدر والزخم الذي كانت عليه خلال الانتفاضة الكبرى الأولى 87-1993.

ورغم ذلك “قدمت المرأة الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى/2000 – حتى اليوم  (440) شهيدة، فيما اعتقلت قوات الاحتلال 13 ألف امرأة منذ العام 1967 حتى ايلول/2009، بينهن 860 خلال الانتفاضة”.

     ولم يتوقف عطاء المرأة الفلسطينية، بل شهد دائماً تعاظماً وتصاعداً في المشاركات والفعاليات الوطنية الفلسـطينية المختلفـة إلى ان وصل ذروة جديـدة له خلال انتفاضة الأقصى 2000، حيث اقتحمت المرأة حقول النضال والحياة الفلسطينية على اختلاف مجالاتها، فكان لها دور ورأي في القضايا الاجتماعية والثقافية والعلاقات السياسية وغيرها، وكان لها دور في الفعاليات الانتفاضية ضد الاحتلال، ذلك الدور الذي بلغ أرقى أشكاله عبر مشهد العمليات الاستشهادية ضد الاحتلال.

[email protected]

كاتب

  • نواف الزرو

    -اسير محرر امضى احد عشر عاما في معتقلات الاحتلال الاسرائيلي ، حكم بالمؤبد مدى الحياة عام 1968 وتحرر في اطار صفقة تبادل الاسرى عام 1979 . - بكالوريوس سياسة واقتصاد/جامعة بير زيت-دراسة من المعتقل. - كاتب صحفي وباحث خبير في شؤون الصراع العربي - الصهيوني

نواف الزرو

-اسير محرر امضى احد عشر عاما في معتقلات الاحتلال الاسرائيلي ، حكم بالمؤبد مدى الحياة عام 1968 وتحرر في اطار صفقة تبادل الاسرى عام 1979 . - بكالوريوس سياسة واقتصاد/جامعة بير زيت-دراسة من المعتقل. - كاتب صحفي وباحث خبير في شؤون الصراع العربي - الصهيوني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *