أقلام الوطن

لا حل للأزمة إلا بالانتخابات الديموقراطية

بقلم. د مصطفى البرغوثي
الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

يعاني النظام السياسي الفلسطيني من أزمة مستفحلة، تمتد آثارها لتشمل السلطة الفلسطينية، ومؤسسات حركة التحرر الوطني الفلسطينية وما نشأ من انقسام سياسي عميق بعد إتفاق أوسلو، تحول بعد انهيار حكومة الوحدة الوطنية عام 2007، إلى انقسام مادي ملموس في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، وتعمق ليكرس إنفصالا خطيرا بين الضفة الغربية وقطاع غزة تستفيد منه إسرائيل، وتحاول تكريسه لتتخلص من تأثير العنصر الديموغرافي الفلسطيني، ولتمنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وكما كان الانقسام سببا في تعطيل المجلس التشريعي المنتخب فإنه أصبح ذريعة أيضا لزوال مبدأ فصل السلطات وتمركز كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بيد السلطات التنفيذية في الضفة والقطاع، مع أن كل مكونات السلطة واقعة تحت سيطرة الاحتلال الذي يهيمن على كل المعابر والمخارج ، ويتحكم بأكثر من 70% من دخل السلطة الذي يدفعه المواطنون الفلسطينيون، والذي كررت اسرائيل حجزه أو التهديد بإحتجازه مرات عديدة بأسلوب القرصنة، منذ حوصر الرئيس الشهيد عرفات، و بعد الانتخابات عام 2006، و حتى أثناء فترة حكومة الوحدة الوطنية.
بل ان الانقسام اصبح معيقا لاجراء الإنتخابات وبالنتيجة فإن الانتخابات التي كان يجب أن تجري دوريا كل أربع سنوات، حسب ما ينص عليه القانون الأساسي الفلسطيني، لم تحدث لا في عام 2010، ولا في عام 2014، ولا في عام 2018.
وأدى تغييب الانتخابات إلى إضعاف كل الحركات السياسية ، وإلى ظاهرة خطيرة تتمثل في نفور شعبي، وخاصة في أوساط الشباب من العمل السياسي، وإلى انكفاء واسع عن المشاركة في النضال الوطني، اذ لم يعد لدى الكثيرين أي اهتمام بالمشاركة طالما أنهم عاجزون عن التأثير بسبب عدم قدرتهم على ممارسة حقهم في إنتخاب من يقودهم ويمثلهم.
وكان من المنتظر أن يكون الاتفاق على إنشاء مجلس وطني جديد سبيلا لتفعيل الإنتخابات الديموقراطية في بنيان المنظمة على اساس نظام التمثيل النسبي، وتحرير القرار السياسي الفلسطيني من القيود المفروضة على السلطة، لكن و للأسف ورغم تكرار الاتفاق على إجراء الإنتخابات في اتفاقات المصالحة الوطنية التي تعددت ولم تنفذ، بقيت الإنتخابات غائبة عن المشهد الفلسطيني، وعلى الرغم من أن إجراءها كان يمكن أن يستخدم كوسيلة مقاومة وكأداة فعالة لفضح وتعرية الاحتلال، وتحدي إجراءاته.
لا يوجد إختلاف اليوم على أن إتفاق أوسلو فشل، وضمنيا لا يوجد إختلاف على أن المراهنة على المفاوضات في ظل اختلال ميزان القوى عديمة الجدوى. وبعد أن أقر اجتماع المجلس الوطني الأخير قرارا بأن اجتماعه مثل الدورة الأخيرة للمجلس القائم وبأنه يجب أن يُستبدل كما نصت اتفاقات المصالحة الوطنية، وكما قال رئيس المجلس نفسه، بمجلس وطني جديد لا يزيد عدده عن 350 عضوا سيتم إنتخابهم ديموقراطيا على قاعدة التمثيل النسبي داخل فلسطين، وحيثما يمكن إجراء الإنتخابات في أماكن تواجد الفلسطينيين في الخارج ، ويستكمل المجلس بالتوافق حيث لا يمكن إجراء الإنتخابات، وبأعداد تتناسب مع نتائج الإنتخابات الفعلية لكل طرف، فلم يعد هناك مبرر لتجاهل فكرة الإنتخابات، أوتأخير الشروع بتشكيل مجلس وطني جديد من خلالها.
لايبدو أن مصير أي إتفاق جديد للمصالحة الوطنية سيختلف عن مصير سابقاته، كما لا يجوز مواصلة حرمان الشعب الفلسطيني وخاصة أجياله الشابة من حقها المشاركة و في اختيار قياداتها الديمقراطية.
كما لا يبدو أن هناك سبيل لإنهاء الانقسام القائم، وما تبعه من انقسامات فرعية متتالية عبر ما يسمى بالتوافق، أو ما يعرف في الحقيقة بالتقاسم على أساس نظام الكوتا والمحاصصة، ولو كان ذلك ممكنا لرأينا مجلسا وطنيا موحدا يضم جميع القوى دون إستثناء.
هناك إجماع على أن إستمرار الإنقسام الداخلي، وضعف المؤسسات، يسبب نزيفا متواصلا يضعف قدرات الفلسطينيين وهم يواجهون أخطر مرحلة في تاريخ قضيتهم ، تتعاظم خلالها المؤامرات لتصفية حقوق وقضية الشعب الفلسطيني و الالتفاف على حقه في تمثيل نفسه، في حين أن مؤسساته ونظامه السياسي يعانيان من ضعف غير مسبوق.
ولا يمكن الخروج من هذا الوضع الخطير، إلا بالإستعداد لقبول مبدأين من قبل كل القوى السياسية والمجتمعية:
المبدأ الأول الشراكة التي تعني القبول بنمط الجبهة الموحدة و القيادة الجماعية ، والمبدأ الثاني القبول بحكم الشعب وبرأيه ونتائج تصويته في أي انتخابات مقبلة.
وإذا قبل هذان المبدآن، فإن السبيل الوحيد لإنهاء أزمة النظام السياسي هو إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني الجديد، لخلق وحدة قوية وراسخة ومؤسسات قادرة على مواجهة المخططات الإسرائيلية.
وقد يتذرع البعض بأن المخاطر والأزمات لا تسمح بإجراء الإنتخابات، ولكن يكفي أن ننظر إلى سلوك أعدائنا لنكتشف أن أحد أسباب قوتهم أنهم لم يعطلوا الإنتخابات فيما بينهم ولا مرة واحدة، رغم إنهماكهم في اعتداءات وحروب متتالية، فقد كانت الإنتخابات هي الوسيلة لحل إختلافاتهم السياسية، وهل هناك من مثال على ذلك أوضح من إطاحة نتنياهو بحزب العمل بعد إغتيال رابين، ثم قيامه بعد ذلك بتصفية إتفاق أوسلو بالكامل.
لدينا كفلسطينيين خلافات سياسية عميقة، وإستراتيجيات متعارضة، فلنعطي للشعب حقه عبر الانتخابات في إتخاذ القرار الذي يجب أن يحترمه الجميع، ولكن شريطة ضمان نزاهتها، والإقرار قبل إجراء الإنتخابات بتعهد معلن وواضح بأن الجميع ملزم باحترام نتائجها .
وإذ كانت هناك قوى صغيرة تخشى الانتخابات لخوفها أن لا تحظى بأصوات تحافظ على وجودها السياسي، فهذه مشكلتها وعليها أن تعالجها باحترام آراء الشعب الفلسطيني ومصالحه، كي تنال أصواته.
لا حل لمشاكل الانقسام الابإجراءالانتخابات الديمقراطية لتكون الحكم الفاصل في الخلافات التي استحكمت بنا، ولإنهاء الانقسام الذي أضعف وألحق أفدح الأذى بمصالح شعبنا، وهي خير أسلوب لإرسال رسالة واضحة لكل القوى الخارجية التي تحاول العبث بساحتنا الداخلية، بأن الفلسطينيين هم أصحاب القرار بشأن مستقبلهم، والحماة لقرارهم الوطني المستقل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *