أقلام الوطن

25 آذار 1965: تذكرت ما أصبح يُقال: إنه فلسطين!

د.عادل سماره

 

هل يُغيظك العنوان؟ إن حصل فأنت أحدهما:
• إما وطني متألم من الاعتراف والتطبيع
• وإما أداة للاعتراف والتطبيع وهذا يهز سقوطك


أقول ما يُقال، لأن فلسطين أصبحت مسألة ذهنية سياسية في كل راس بشكل مخالف للآخر، بل حتى غدت جغرافيتها خارج موقعها الجغرافي.
فلسطينيون يرونها في آبار النفط والريع النفطي وعباءات سادتهم حكام النفط المحكومين الذين يقدمون للكيان كل ما لا يطلب ولا يحتاج
فلسطينيون يرون المطبعين والمعترفين بالكيان قادة وسادة ومناضلين مما جعل السادات أيقونة .
فلسطينيون يرونها في تركيا التي شاركت في توليد الكيان الصهيوني ولم تتراجع لا وهي علمانية ولا وهي دين سياسي وبالتالي نعترف لتركيا بأنها نجحت في أخذ كثير من الفلسطينيين إلى تركيا ولاء وعبادة.
فلسطينيون يبحثون عن فلسطين في روث صفقة القرن ويجهزون أصواتهم بالدعاء العلني لها
فلسطينيون يتوهمون أن فلسطين تُرعب كل من لا يتمسَّح بها رغم أن الأمر وصل العكس وأدنى.
فلسطينيون يرون جغرافية فلسطين في صفحات عنتريات التواصل الإجتماعي فيهرفون بما لا يعرفون
فلسطينيون يرون جغرافيا فلسطين في نهش العرب قبل أن يروا القيء المحلي.
فلسطينيون يرون خارطة فلسطين في جيوش الناتو التي دمرت ليبيا
فلسطينيون لا يرون خارطة فلسطين في المقاومة اللبنانية التي هزمت الكيان ويُفضلون بن باز والقرضاوي وأردوغان على نصر الله.
فلسطينيون يرون فلسطين في قاعات الأمم المتحدة التي جدرانها صهيونية
فلسطينيون يهرفون بالمشروع الوطني بينما جغرافيا فلسطين تنغل بالمستوطنين

أمَّا والقضية غاية في التعقيد فتحديد الموقف منها غاية في البساطة: ولعل المعيار الأفضل حتى حينه بالطبع هو: الفلسطيني والعروبي هو من لا يعترف بالكيان ولا يعترف بمن يعترف بالكيان. لأن هذا وحده المدخل للتحرير لا غيره.
تقطيع النضال الوطني…من أجل ماذا؟
خطيرة هذه الثرثرة الجوفاء عن نقل فلسطين خارج فلسطين وتقطيع الوطن والنضال الوطني في كل من الجغرافيا والتاريخ عبر السباق على : من بدأ أولاً.
وهنا اقولها بصراحة، كل من يشارك في هذه الجوقة يتخبط في أنانية مفرطة لأنه يرى فلسطين في فريقه لا في شعبها وتضحياتها وتضحيات كل عربي وغير عربي ناضل من أجل فلسطين لأن نضاله ايضا ضد أعداء البشرية وليس فقط ضد الكيان الصهيوني. نعم لأن هناك في العالم عقول ومواقف أوسع من أية جغرافيا حتى لو ساخنة.
لذا، وفي مناخ وشروط استدخال الهزيمة، لا يتذكر كثيرون فلسطين سوى يوم ما يزعمون أنه “الانطلاقة” وهنا البؤس في سباق الانطلاقة.
وهنا تحطيم التاريخ الذي يقود إلى نفي وتوزيع وبعثرة الجغرافيا. فالمقاومة الشعبية الفلسطينية بدأت منذ عام 1917 على يد الفلاحين لأنهم الأكثرية الشعبية ولأن الصراع بدأ معهم بما أنهم الأرض. ولاحقاً لحقت بهم مجموعات عمالية ومثقفي البرجوازية الصغيرة والوطنيين من الأغنياء. وهنا لا نقول عن العمال بروليتاريا لأن ذلك أوسع من الواقع ولا نقول عن الأغنياء رأسماليين بالمعنى العصري في البلدان الصناعية.
ما يهمنا هنا هو التأكيد أن نضالات شعبنا لم تبدأ في “انطلاقات” الفصائل. بل إن الفصائل أتت على تاريخ طويل من النضال الوطني الشعبي المستمر.
وهنا، يجب الانتباه إلى مسألة اساسية لفتت نظري في حديث السيد أحمد جبريل لقناة الميادين، في أكثر من حلقة حيث حاول التأكيد بأن مجموعته بدأت التفكير في النضال قبل حركة فتح، أو أنهما بدأتا بشكل متزامن. وهذا فيه خلل كبير جدا بل وخطير:
• لأنه يعني أن لا نضال للشعب الفلسطيني ومعه عرب وغير عرب قبل نضالهما بل ومنذ بدء الاستيطان الصهيوني في فلسطين.
• ولأنه ينفي البعد العروبي في مستوييه،
o القومي في مصر وسوريا حيث كانت المجموعات الفدائية بقيادة الشهيد مصطفى حافظ في غزة زمن الإدارة المصرية وفي سوريا بقيادة عبد الحميد السراج وذلك في منتصف الخمسينات. وأذكر هنا أننا لاحقا في منظمة أبطال العودة ضممنا في صفوفنا بعض هؤلاء الفدائيين القدامى ومنهم خالد عزارة من بيتونيا ومحمد عيسى من العيسوية ومحمد حسن من قرية القباب المحتلة 1948.
o الحزبي في النضال حيث كان في الأحزاب القومية فروعاً فدائية لفلسطين وأعني القوميين العرب والبعثيين. وهنا أذكر الرفيق الراحل سمحان سمحان من منظمة الصاعقة لحزب البعث حيث تعارفنا في سجن المحطة في عمان 1965.
وعليه، فإن إنكار أو عدم الإشارة إلى تاريخ النضال الحقيقي أي الانطلاقة الشعبية فيه على الأقل وقوع ،حتى لو بغير قصد في نزعة إقليمية فلسطينية هي التي أودت بنا إلى كارثة أوسلو.
وهنا أجيز لنفسي القول بان تحرير فلسطين هو مشروع عروبي وليس فقط فلسطيني.
شهادة خاصة:
ولا اقصد بها تزكية من بدأ أولاً، بل دحض كل هذا بما هو دعاية مقيتة خالية من أي مضمون تاريخي توثيقي.
كما أذكر في 17 نيسان 1963 أُعلنت الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق، كنت في التوجيهية وكنا أربعة طلاب قد أسمينا أنفسنا “منظمة فلسطين الكبرى” ونحن فقط أربعة كنا نجتمع في مقبرة رام الله “احمد ياسين مطر، وحازم برغوثي ووليد العزة وأنا” وحين أعلنت الوحدة اتفقنا أن نذهب يوم الجمعة 20 نيسان إلى القدس وأن ننتظر خروج المصلين حيث تكون الجموع كثيرة ونبدا بالهتاف لتتحول أو تبدو حالة الخروج كأن الكل في التظاهرة، ونجحنا في ذلك وطبعاً انهالت الشرطة على الناس وفرقتهم.
التقينا عصرا وقررنا أن نحرك رام الله يوم 21 نيسان وفعلا بدأنا بمدرسة رام الله الثانوية ومعنا زملاء من المدرسة الهاشمية وانطلقنا إلى بقية مدارس الجنسين وانضمت الناس للمظاهرة بشكل شعبي كبير لم نحلم به.
وانتهينا إلى ميدان المنارة لكي نصطدم بالجيش الذي انهال علينا بالهراوات ورددنا بالحجارة إلى أن بدأ بإطلاق النار وتفرقت التظاهرة.
لكن مجموعة منا قررت الإلتفاف من وراء الجيش مجدداً رغم انتهاء الظاهرة، وحين وصلنا أمام سينما الوليد قبيل ميدان المنارة أصبت برصاصة في ساقي اليمنى، وأخذني صاحب مخبز اسمه عبد الله رزق إلى المستشفى وهناك أُسعفت وأعطيتهم اسما غير إسمي وهربت مشيا إلى بلدة بيتونيا. لكن ساقي تعفنت فاضطررت الذهاب للمستشفى وانكشفت.
هناك تفاصيل كثيرة، عن السجن والمحكمة…الخ لكن ما يهمني هنا هو أنني إثر ذلك نظمني في حركة القوميين العرب المعلم يعقوب العبيدي. وبعد ستة أشهر وكان مسؤولي الحزبي عزمي الخواجا أبو عصام قلت له أنا أريد ترك الحركة، فقال لماذا؟ قلت هذا حزب وأنا أريد أن أكون فدائي، فتم تحويلي إلى منظمة ابطال العودة وهي جناح من حركة القوميين العرب، وبقيت في نشاطي الحزبي.
اليوم 25 آذار 2020 ، وفي نفس هذا اليوم عام 1965 جرى اعتقالي من قبل الجيش الأردني في قرية بيت صفافا حيث كنا ثلاثة نحاول الدخول ليلا إلى المحتل 1948 لنشاط لمنظمة أبطال العودة.
ليس هذا سرداً لمذكرات شخصية، وإنما لتأكيد بأن لا أحد كان سابقا للشعب في المقاومة، هذا من جهة ومن جهة ثانية، حينما كان الشعب يناضل منذ بدايات القرن العشرين كان في ذلك النضال الشعبي الوطني كعربي فلسطيني أولاً بغض النظر عن كونه من هذاالدين أو ذاك. أما قوى الدين السياسي ، وليس المؤمنين العاديين الذين ناضلوا في فلسطين ما قبل 1948 ، فكانوا يقولون لنا منذ ستينات القرن العشرين وخاصة بعد 1967 “لا نضال في ظل إحتلال”. وكانوا حلفاء للنظام الأردني بشكل متواصل. ستجدون ذلك بالتوثيق والتفصيل في الجزء الثاني من الحركة الوطنية الأردنية تأليف الرفيق د. عصام السعدي الذي سيصدر قريبا في عمان.

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *