أقلام الوطن

هيئة الإعلام والاتصالات.. رؤية من الداخل

 عبد الرزاق السلطاني

بعد أن شهدت الفضاءات العراقية تطورات هامة وخصوصا على الصعيد الامني الذي انعكس على كل مفردات الحياة العامة، فقد بات واضحاً ان الاستقرار الأمني في المناطق الغربية التي بدأت تتعافى سجل معه تراجعا واضحا للإرهاب الداعشي، مما يؤكد تنامي قدرات الحكومة العراقية في تحديد اولويات الملفات الساخنة ومعالجة الثغرات لمجابهة العصابات الارهابية للسير باتجاه بدء مرحلة الاعمار للمناطق المتضررة، وهذه التطورات النوعية هي نواة لبناء قواعد رصينة تسهم في ذلك التأسيس لاستكمال ومتابعة آفاق المستقبل بدءا من اعادة بناء البنى الارتكازية.

فان من اهم مقومات خلق أي تجربة مجتمعية نوعية لابد من اعادة تنظيم البنى التحتية لمنظومات التقنين والتنظيم للبنية الوطنية باتباع استراتيجية تُسيٍّر البناء التدريجي المتناسق مع الانظمة العامة التي يتصدرها تنظيم قطاعي الاعلام والاتصالات في العراق، والحقيقة التي يجب التوقف عندها هو امتلاك العراق خطا متقدما من التنظيم في هذين القطاعين فهما اساس التغيير والتحول الديمقراطي فالإقدام على تقديم اي رؤية لمعالجة مواضيع المنظومات الاعلامية والاتصالاتية وعلاقتها بالمواطنة والهوية يتطلب توخي الدقة في تحديد الهدف الذي يمثل غاية.

ففي الكثير من الاحيان تؤكد بعض المنظومات الاعلامية من خلال خطابها المعلن انها واقعة تحت تأثير المنظومة المادية الموجهة من دوائر التمويل بالشكل الذي يعكس ارادتها وتطلعاتها الفكرية في هذا المجال او ذاك لذلك تغلب عليها خصائص معينة مثلا التعرض الى هوية مخالفة بشكل يصاحبه نسف بنية الاخر، بما لا يمت للإعلام الديمقراطي بأية صلة، فبدلا من ان يكون الاعلام مساهما فعالا في التثقيف بأهمية وحدة النسيج المجتمعي اصبح احيانا صاحب معول للتهديم في مواطن اخرى، وان المكانة التي يشغلها بين السلطة والمجتمع تمتلك حساسية عالية واهمية قصوى وان أي خطأ مقصودا كان ام عفويا.. يعني اشعال حرائق في فضاءات المجتمع.

وفي معرض تقييم موضوع أداء ودور الادارة التنفيذية لهيئة الاعلام والاتصالات فحقيقة القول انها قطعت شوطا كبيرا في تنظيم قطاعي الاعلام والاتصالات كونهما من اهم المفاصل الحيوية لبناء البنية الحقيقية لهذه القطاعات الهامة والمؤثرة، وقد اثبتت عمق انتمائها للعراق وبكل تجرد بعد ان دخلت على خط الازمة وعمل بقوة على نزع فتيل الفتن التي اريد لها اشعال بلدنا وحالت دون الانزلاق وحرف مسارات الراي العام.

فان ملاحقة وتفكيك المنابر المرتبطة بالإرهاب الفكري والسياسي وافشال فخاخ الازمات ومنع الوقوع فيها، ومنع تحشيد المواقف الطائفية اضاف اليها مسؤولية مضاعفة للحفاظ على وحدة العراق وصيانة نسيجه المجتمعي ومحاصرة كافة النوازع الطائفية والمذهبية وهذا هو الخط البياني المتصاعد نحو رصد وترميم آفاق المعالجة الوطنية بصناعة اعلام مهني ينمي ويدعم القدرات العراقية بعيدا عن الارادات الشخصية والحزبية ويضمن سلامة تطبيقات والتزام الضوابط الاعلامية المهنية لترسيخ وتجسير القواسم الوطنية التي تعزز المصالح العليا الضامنة للحياة العادلة والمتكافئة والمتقدمة.

ولعل في طليعة طوابير صناع الكراهية وسائل الاعلام التي اعتمدت البرامج الاعلامية التحريضية الضيقة فالمشكلة في عمقها تتمثل بفشل داعش فهو لم يصمد امام البناء الوطني المؤسساتي وسجلت الماكنة الاعلامية الداعشية تراجعاً متسارعاً قل نظيره، وبرغم كل المعطيات التي خلفها الارهاب فقد كانت الهيئة راسخة ومتماسكة وقوية كونها نتاج مهني ومتوازن، ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان تفسح المجال للنيل من الوحدة الوطنية او التخندقات الطائفية او المساس بالنسيج الاجتماعي، فضلا عن مواقف هيئة الاعلام والاتصالات في الحفاظ على الطيف الوطني من الاختراق والتداخل، اذ ان البث العشوائي يؤثر بكل الاحوال على كل ما يبث في الفضاء العراقي وتنظيم الحزم يحتاج الى جهة ناظمة اسوة بالمؤسسات الدولية المتقدمة للحفاظ على المحطات التي تبث من التداخل والتشويش، وان تأثير البث العشوائي على المطارات والمنظومات تدخل ضمن امن وسيادة الدولة وهذه الثروة الوطنية يجب ان تصان بشكل يحفظ هيبة السيادة الوطنية، ومن هنا فالفشل في خلق دولة متماسكة ومجتمع موحد لهو فشل عام لا يستثني اي فئة او قومية او طائفة، وهو فشل للإنسان والدولة والمجتمع وهذا هو الخط البياني المتصاعد نحو رصد وترميم آفاق المعالجة والتصدي في قطاعي الاعلام والاتصالات.

[email protected]

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *