أقلام الوطن

إكتمل الاستهداف ، وانتهت المساكنة… من التلطي إلى التخطي الحلقة(6)

الإستقواء بالضعف

 

د. عادل سمارة
د. عادل سمارة

د. عادل سمارة

 

كان لا بد لفريق أوسلو من ساسة ومثقفين(وهنا أقصد كل من نظَّر وكتب وفاوص واستفاد وتبوَّأ وترشح وفاز أو خسر وساهم في الحكم من جميع الفصائل) أن يخلقوا خطابا جديدا له شقين:

· شق تغيير كبسات ال (كي بورد) من غابة البنادق والتحرير والمقاومة إلى الاستدوال وهو الذي فرَّخ الشق الثاني

· الشق ألأخطر هو الاستقواء بالضعف.

كان الشِق الأول مدهشاً بمعنى كيف يتسنى لشخص أن ينتقل من الأقصى إلى الأقصى بسهولة وارتياح ضمير دون أن يشرح للناس كيف تم الانتقال! ولذا كان لا بد من تغطية الشق الأول بالثاني.

إرتكز الشق الثاني على إيديولوجيا إستدخال الهزيمة أي: أن يعتقد المرء ويفكر ويتحدث ويكتب ويعمل كمهزوم إلى درجة يرى معها أن هذا أمر حقيقي وصحيح ويمكنه الدفاع عنه بقوة واقتناع واقتدار.

ولا شك بان هذا يتطلب خيالا واسعا، أو درجة من المكابرة غير مألوفة.

قد تكون الحلقات السابقة وكثير مما كتبت متضمنة تفسيرا لمآل استدخال الهزيمة، لذا احصر الأمر في بعض تجليات الاستقواء بالضعف بما هو وليد استدخال الهزيمة وغطاء عليها.

ماذا نقول عن “سلام الشجعان”! صحيح أنه يمكن للشجعان أن يتفقوا على سلام ما، ولكن شريطة أن يأخذ كل شجاع حقه، فهل أخذ الفلسطيني حقه؟ بالطبع لا. لذا كان هذا “السلام” هو سلام راس المال أي المصلحة العليا فيه للصهيوني وجزء ضئيل لرأسمالية فلسطينية ثلاثية التركيب:

· الراسمالية البيرقراطية لقيادة م.ت.ف التي تبقرطت وترسملت عبر خمسة عقود من تلقي أموال دعم مسموم غربي وخليجي وعربي عموما كان هدفه رسملة المقاومة وتفريغها من شحنة تحريك الواقع الشعبي العربي ومن شحنة الكفاح المسلح. هذا الفارق بين محيط فيتنام السوفييتي والصيني ومحيط المقاومة وبالطبع بين المقاومة وبين الشيوعي الفيتنامي.

· والراسمالية الكمبرادورية

· وراسمالية التعاقد من الباطن

لذا، تجدون في مواضع كثيرة تصريحات من راسماليين فلسطينيين تنادي باتفاق اقتصادي مع العدو وتقول لن ننتظر الحل السياسي. من يتابع كتاباتي منذ 30 سنة يجد هذه الأمور. لن اضعها هنا كي لا يبدو الأمر مملاً.

وماذا نقول عن “كسرنا تابو التحرير الشامل”. هل هذه بطولة؟ هل التخلي عن كامل الواجب في التحرير وعن كامل الحق الوطني هو مدعاة فخر؟ لهذا وصل هؤلاء إلى القبول بأقل من حكم ذاتي وعِبر الترجي! ولعل أهم تساؤل وأكثر الأسئلة قلقاً: “قد نتفهَّم ونفهم عجزكم عن حمل المهمة، ولكن من خوَّلكم تقاسم الوطن مع العدو! الوطن جغرافيا وتاريخ وثقافة واقتصاد وحب ، وتفتخرون إذن بإهلاك العدو للحيِّز وتكرار الإهلاك بل وإهلاك كل شيء!أتمنى أن أعرف في اي مناخ من النشوة صيغت هذه الجملة وبحضور من! ربما في حانة استدخال الهزيمة.

وماذا نقول عن “الحياة مفاوضات” هل يُعقل هذا إنسانياً؟ الحياة البشرية بدأت مقاومة الإنسان ضد الطبيعة، ولم يفاوض الإنسان الطبيعة إلا في المجالات التي سيطر عليها، لذا زرع الحبوب واعتنى بها وزرع الورود ودلَّل الحصان…الخ. ثم كان صراع الإنسان مع الإنسان، الصراع الطبقي ومن ضمنه القومي وعلى ضوء نتائجهما كانت المفاوضات. وكان نقض أية مفاوضات حصلت تحت شروط الاستسلام ومعروف أن أحد اسباب صعود النازية هي شروط الإجحاف ضد ألمانيا في مؤتمر “الصلح” بعد الحرب الإمبريالية الأولى مما قاد ألمانيا النازية ،بحثا عن دور استعماري إمبريالي، إلى اشعال حرب إمبريالية ثانية.

كان حريا بالمفاوض الفلسطيني أن يقول على الأقل ” توجد في الحياة مفاوضات” اي هناك صراع وحرب ومن ثم مفاوضات لا أن يضع الشعب أمام بُعد واحد هو المفاوضات مما ثَلَم معنويات الكثيرين. وها هي المفاوضات تأكل من لحمنا أكثر وأكثر كل يوم.

وماذا عن الحوار مع مثقفي وأكاديميي الصهيونية؟ وهذا خارج المستوى السياسي حيث كان يتم حتى قبيل 1967، ويقوم على الاعتراف بالكيان كقاعدة وشرط للحوار وبعد ذلك يمكن الحديث في الشكليات. وهذا مختلف عن مواجهة الصهاينة في صراع فكري سياسي نداً لند.

في مستوى الحوار يمكن للمرء أن يكتشف تخبط كثير من مثقفينا. مثلاً، بينما دعمت حنان عشراوي قبول إميل حبيبي جائزة دولة الكيان! وهذا أعجب من قبول إميل حبيبي نفسه، خالفه محمود درويش لكن درويش نفسه جاء تطبيعيا إلى الوطن المحتل ضمن أوسلو وأسف على قبر إميل حبيبي لأنه لم يحضر جنازته وقال له :يا معلمي؟ طيب ماذا علمك؟ لذا ابدع أحمد حسين في مقالته عن محمود درويش بعنوان “تأبين النص في نص التأبين” في كنعان العدد 77 حزيران 1996 وفي كتاب احمد حسين رسالة في الرفض مقالات في المرحلة والانسان، منشورات الناصرة 2003 ص ص 42-50) . هذا طبعا دون الدخول في ملابسات موقف محمود درويش تجاه اغتيال ناجي العلي. أما إدوارد سعيد والذي بمفهوم الوجود في الغرب كان فلسطينيا مميزاً، ولكن مهذبا، اي ضد الكفاح المسلح كما نقد أداء فريق أوسلو وليس مبدأ الاعتراف بالكيان، ودون أن يوقف حواره مع الصهاينة ناهيك عن مجيئه خصيصا إلى الأرض المحتلة ليخطب في مدينة الناصرة دعماً لترشح عزمي بشارة للكنيست.

ولعل ثالثة الأثافي ترويج كثير من المثقفين للحلول التصفوية سواء :

· حل الدولتين

· وحل دولة واحدة

· وحل دولة مع المستوطنين.

(أنظر كتاب الرفيق محمود فنون: “بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة:دراسة نقدية. منشورات مركز المشرق /العامل للدراسات الثقافية والتنموية 2018).

هنا لا بد من قول حقيقة أخرى. لقد قامت كافة قيادات المقاومة بالبذخ على المثقفين لكسبهم. ولكن دورة الزمان لا حدَّا لها.

لذا حين دارت عجلة النفط ذهب الكثير من هؤلاء المثقفين إلى الذي يدفع أكثر، بل هو الذي كان يدفع للمقاومة فنشأ الطابور السادس الثقافي وخاصة في قطر لتكون الدوحة دوحة التطبيع الثقافي وجهنم تخريب الثقافة العربية وباسم القومية العربية! ربما من هذه التسمية العربية المسمومة استخلصت السعودية والإمارات “التحالف العربي” لتدمير اليمن!

إحدى آخر طبعات الاستقواء بالضعف تلك التي تفيض بمشايخ الدين السياسي الذين يُلقى بهم تحت نعل الكيان فيدنسون الأقصى وفلسطين بحجة أن هذا ليس تطبيعا، وإذا كان أكثرهم من وهابيي السّنة والداعشية كان لا بد لهم من طربوش شيعي.

هذا النمط من الاستقواء بالضعف هو الاستقواء بضعف أنظمة الخليج النفطي التي تزعم “كذبا” أنها بالاعتراف بالكيان تدعم فلسطين! بينما يعلن حاكم الكيان بانه لن يوقف الضم وبأن ما يقوم به هو سلام مقابل سلام وهو في حقيقته سلام مقابل تبعية واستعمار صهيوني للخليج وباستدعاء من حكامه.

هذا الشكل من استدخال الهزيمة من الفظاعة بمكان حيث هو عدوان على فلسطين، اصطفاف حربي بلا مواربة. ليس هنا مجال تفصيل هذا، ولكن أحد أهم منتهياته هو تحويل بقايا فوائض النفط لصالح الكيان تحت غطاء حماية الخليج من إيران. وهذه مرحلة انتقالية ليرى الكيان اين سيذهب مصيره إذا خرجت امريكا من المنطقة ومن قيادة العالم لصالح الصين لأن الكيان لو كان قادر على ضرب إيران لما انتظر. هذا هو التطبيع الفاشي المزدوج بين الفاشية الصهيونية وفاشية انظمة وقوى الدين السياسي العربية. طبعاً لا شك أن الكيان ينسج علاقة غرام مع الصين كبديل محتمل لأمريكا التي كانت بديلا عمليا للاستعمارين البريطاني والفرنسي.

ملاحظة: أهيب بكل كاتب/ة عربي أو فلسطيني أن لا يتهجموا على عرب الخليج ولا اي عرب. لا يوجد اي نظام عربي انتخبه أهل البلد ابدا حتى يُنسب له تمثيل الشعب.

 

الحلقة الأولى

 

الحلقة الثانية

 

الحلقة الثالثة

 

الحلقة الرابعة

 

الحلقة الخامسة

 

الحلقة السابعة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *