أوراق أدبية

إلى أختي الحبيبة أطيب التهاني محمود كعوش

محمود كعوش
محمود كعوش

ضاقت وانفرجت فعادت البسمة

بعد أن تكلل علاجها بالنجاح، تهنئة من القلب لزوجتي الفاضلة “أم أحمد”

وبعد شكر الله تعالى، بالغ الشكر والامتنان لكل من أظهر اهتماماً صادقا

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن من فوائد المرض لدى الإنسان طهارة القلب من الأمراض، لأن الصحة تدعو في أحيان كثيرة إلى البطر والغلو في الإعجاب بالنفس الذي قد يصل عند البعض حد الغرور، لما يتمتع به المرء من نشاط وقوة وراحة وهدوء بال. فإذا قيده المرض وتجاذبته الآلام انكسرت نفسه ورق قلبه وتطهر من الأخلاق الذميمة والصفات القبيحة.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: “لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء.

وقال الشاعر:

(قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت…ويبتلي الله بعض القوم بالنعم)

واهتماماً من الإسلام بهذا الخلق الطيب الجميل الذي هو من قبيل التواصل ونشر الألفة والمحبة بين الناس، جعل للاهتمام بالمريض و زيارته والسؤال عنه فضلاً وثواباً كبيراً، كما جعل لكل ذلك آداباً ألزم بها كل من يهتم بمريض أو يعوده أو يسأل عنه للاطمئنان .فالاهتمام بالمريض وعيادته و زيارته والسؤال عنه وعن صحته من الآداب الرفيعة التي حث الإسلام المسلمين عليها وجعلها من أولى حقوق المسلم على أخيه المسلم، بل ومن سبل التأليف بين القلوب الذي امتن الله تعالى علينا به في كتابه الكريم. وعيادة المريض والسؤال عليه يشعره عند مرضه بروح الأخوة الإسلامية، فيكون ذلك سبباً في تخفيف آلامه وأحزانه، وتعوضه بعض ما حرمه من القوة والصحة.

وكم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تطرقت لهذا الموضوع مباشرة أو مواربة:

جاء في قول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. آل عمران 103 .

وجاء في الحديث النبوي الشريف: عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ، يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي. أخرجه البخاري

قال النووي: ” قَالَ الْعُلَمَاء: إِنَّمَا أَضَافَ الْمَرَض إِلَيْهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى، وَالْمُرَاد الْعَبْد تَشْرِيفًا لِلْعَبْدِ وَتَقْرِيبًا لَهُ. قَالُوا: وَمَعْنَى ( وَجَدْتنِي عِنْده ) أَيْ وَجَدْت ثَوَابِي وَكَرَامَتِي”. شرح صحيح مسلم.

واهتماماً من الإسلام بدوام النعم على البشر أوصى بضرورة شكر من يهتم بالمريض ويعوده ويسأل عنه. وكم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تطرقت لهذا الموضوع مباشرة أو مواربة:

جاء في قوله تعالى في كتابه العزيز:  ﴿ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُون ﴾ السجدة: 6 – 9.
ويقول: ﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾. النمل 40.

اللهم إن شكرك نعمة، تستحق كل الشكر، علمتني كيف أشكرك فأعني على دوام شكرك. الحمد لله كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

أللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك وعلا مكانك. اللهم لك الحمد والشكر ملء السموات والأرض وما بينهما وملء ما شئت من بعد، اللهم لك الحمد والشكر عدد ذرات الكون في السموات والأرض وما بينهما وما وراء ذلك، بعدد ما سبحه الملائكة الحافين حول عرشك الكريم وبعدد ما سبح من شيء يسبح بحمدك ولا نفقه تسبيحهم.

أللهمّ اغفر لنا وارحمنا وارض عنا، وتقبّل منا وأدخلنا الجنة ونجنا من النّار، وأصلح لنا شأننا كله، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلّها، وأجرنا من خزي الدّنيا وعذاب الأخرة.

ولَمّا قدر الله ولطف وصبرني وأعانني أنا وعائلتي، من بنات وبنين وأحفاد، على الاهتمام التام بزوجتي الحبيبة وابنة خالتي وأم فلذات كبدينا رجاء سعيد كعوش “أم أحمد” وخدمتها في مرضها، ولَمّا أعانها هي على الانتهاء من آخر “جرعة كيماوي” بخير هذا اليوم، لا يسعني إلا أن أتقدم ببالغ الشكر لمن كان له الفضل في ذلك، بعد الله تعالى، من أطباء وممرضات وممرضين ومستشفيات خضعت فيها للعلاج. كما أتقدم بالشكر من كل من أظهر اهتماماً صادقاً من الأهل والأقارب والأصدقاء، عن طريق الزيارة أو الاتصال أو السؤال.

و بالاتكاء إلى الحديث النبوي الشريف “من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أتى عليكم معروفًا فكافئوه؛ فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم كافأتموه”، أتوجه باللوم والعتب، الممزوجين بالغضب الشديد، إلى من كنت أعول عليهم من “عظام الرقبة” و”صلة الرحم والدم” أن يكونوا سنداً لي ولعائلتي وقت شدتنا، ولن أتسامح في ذلك أبداً.

 

محمد جبر يوسف

الدوحة في 21 نيسان/أبريل 2020

محمود سعيد كعوش

من مواليد ميرون ـ صفد: الجليل الأعلى ـ فلسطين المحتلة،شهادات عليا . مكان الإقامة السابق : لبنان . ..مكان الإقامة الحالي : الدانمرك ـ اسكندنافيا . الكفاءة العلمية: درجتان جامعيتان في الإدارة والأدب الإنكليزي . عمل في مجالي التعليم العالي والترجمة والإعلام المكتوب والمسموع، إلى جانب الكتابة الصحفية وإعداد الدراسات والأبحاث السياسية والثقافية والإجتماعية . عمل في العديد من الصحف والمجلات العربية والبريطانية . عمل مديراً للإذاعة العربية الموجهة للجالية العربية في الدانمرك ومقدماً للأخبار والبرامج الحوارية فيها. له العديد من الدراسات والأبحاث في الفكر القومي العربي والشؤون العربية وبالأخص الفلسطينية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *