أقلام الوطن

إنكشاف حقائق مخفية لعالم مزيف (3 من 4)

حلول الصين وتضعضع الراسمالية…هناك وقت

 

د. عادل سمارة
د. عادل سمارة

د.عادل سمارة

 

الحماسة على دفئها يجب ان لا تاخذنا إلى توقع انهيار النظام الراسمالي العالمي وخاصة الولايات المتحدة بالسرعة المبتغاة. كما أن شوفينية ترامب/و أيضا يجب ان لا تأخذنا باتجاه أنه غبي ومتهور وحسب…الخ.

مشكلة ترامب/و أنه اتى في لحظة الحاجة أو الأمل بإنقاذ أمريكا ولكن بعد أن تمترست عوامل ضعفها. ومن هنا كان ضعف  سياساته بأنها هجوم دفاعي مما قرَّبه من المغامرة.

لا بد من التذكير بأن الراسمالية وخاصة في أمريكا لم تصل بعد إلى لحظة الاقتناع بالحوار مع الصين وصولا إلى تفاهمات ما بعد العولمة بمعنى تفاهمات القوى الكبرى بدل تصادمها، والتي يمكننا تشبيهها بما طرحه كارل كاوتسكي في ثلاثينات القرن العشرين “ما فوق الإمبريالية” أي الحوار وليس الصراع. أو ما أسماه ماركس ذات وقت “تآخي اللصوص”. فكيف إذا كان الخصم أو المنافس هو الصين، اي النظام الذي يطرح نفسه كنموذج ما للإشتراكية.

لقد حاولت امريكا ترامب/م اختزال أوروبا  نهائياً تحت إبطها سواء بالحرب التجارية أو مطالبتها بدفع الأموال لتمويل الناتو مما دفع الرئيس الفرنسي ماكرون (وهو نسخة عن نابليون الثالث_الصغير) إلى الحديث عن جيش أوروبي.
لكن أوروبا، وإن لم تنحو منحى النفطيات الخليجية التي قدمت كل مصاغها للفحل الأمريكي، لكنها لم تتمرد على أمريكا فإنها ايضاً لا تستطيع الوقوف على ساقيها كقوة عظمى ثالثة اليوم وخاصة مع تصدع الاتحاد الأوروبي.

لم تكن حرب ترامب/و التجارية فاشلة تماما، سواء مع الصين أو إيران أو الأوروبيين، لكنها وقعت في حالة من الما بين –بين النجاح والفشل، إلى أن كانت غزوة كورونا التي بغض النظر إن كانت وليد سفاح رأسمالي غربي مقصود، إلا أنها ارتدت على هذا الغرب الرأسمالي أكثر منه على الدول الشرقية وخاصة الصين وروسيا وطبعا كوبا وكوريا الشمالية.

مأزق صعب الحل:

وقعت الراسماليات الغربية خاصة  والعالم أجمع في مأزق التلطي من وباء كورونا حيث ذهبت إلى قرار الحد الأقصى  بإغلاق كل شيء وخاصة مواقع العمل. وهو قرار لم ولن يحصل عليه اي إجماع ولو نسبي، لكن هناك إجماع على خطورته بما يقارب خطورة كورونا نفسه.

هنا تجدر الإشارة إلى أن الإغلاق جاء مناقضاً لتحليل جون مينارد كينز، وهو الطبيب الإقتصادي الذي عالج أزمة 1929 بأن ركز على تنشيط الطلب أي مناداة الدولة بتبني سياسة الطلب الفعال Effective Demand والذي هو تدخل الدولة في الاقتصاد  وتوفير سيولة مالية للاقتصاد كي  تدور عجلته مجددا مما يقود لاستهلاك أعلى، وهو ما ذكرناه في مقال سابق أي خروج الدولة على تميمة آدم سميث “اليد الخفية“.

يذكرنا هذا بما كتبه ماركس الذي يبدأ بالعرض:

 “كل طفل يعرف أن اية أُمةٍ توقفت عن العمل ، لن أقول لمدة عام ، ولكن حتى لبضعة أسابيع ، سوف تموت”،
K Marx to Kugelmann, London، 11 July 1868.

أنه قد تكون هذه الحكمة التي دفعت الصين للتنبه السريع للوباء وضبط منطقة انتشاره وبالتالي تمكنت من العودة إلى الحياة الطبيعية كي لا تعيق الإنتاج. لا نود القول بان الصين كانت قد احتاطت سلفا فأنتجت مستلزمات الوقاية الصحية عموما كي لا ننسب لها الاكتمال، ولكن ربما الفارق بين دولة تعتبر نفسها مسؤولة عن كامل المجتمع وبين دولة تترك للقطاع الخاص بأن يعمل ويستثمر حيث يربح أكثر دون أن يأخذ بالاعتبار المصلحة العامة لأنه ليس مسؤولاً عنها، مهما قيل في النظم الراسمالية بان القطاع الخاص هو رافعة الاقتصاد. فالقطاع الخاص هو رافعة النمو وليس التنمية فما بالك بالتنمية البشرية والصحة المجتمعية.

المسألة الأساس في نقاشنا هذا هي التالية:

كثير من الدول وتحديدا الحكومات قامت بإغلاق مواقع العمل أي الإنتاج، وقررت ضخ أموال إلى القطاعات المجتمعية، وبالطبع بشكل مراتبي، اي اكثر المدفوعات هي للمصارف والشركات الكبرى وخاصة الطيران والسياحة وقدراً من السيولة لمن تعطلوا عن العمل وذلك لتنشيط الاستهلاك أي الطلب. ولكن الوجه الحقيقي للأزمة هو في جانب تقصير العرض الذي إضافة لتباطؤه قبل أزمة كورونا، فإن الإغلاق يعني أنه بعد وقت قصير لن تجد السيولة المالية ما تشتريه وخاصة بعد فورة الشراء القلق والمرتعب في بداية الأزمة. اي ان السوق ستكون خالية.

ومن هنا كان لترامب/و ان ردد دوما وجوب العودة للعمل، والأمر نفسه في الكيان الصهيوني حيث لم يتم التوقف سوى لقطاعات قليلة. فمع استمرار التوقف عن العمل لن تتمكن الدولة من دفع متواصل من جهة، ومن جهة ثانية، فهي قد تضطر للاستيراد. والسؤال: من اين؟ وكيف لها ان تتحول إلى مستورد فقط بمعنى أن السيولة التي تضخها سوف تتبخر للخارج فتقوي خصمها؟

المهم، أن التوقف عن الإنتاج لا بد أن يدفع هذه الدولة الغربية أو تلك للشراء من الصين التي تتعافى بشكل مقبول. وهذا يعني قيام هذه الدول الغربية بممارسة المعصية الكبرى وهي التبعية للصين، وهذا ما يثير اشد القلق لديها بمعنى أنها تقوم بتمكين الصين من السيطرة والحلول محل الولايات المتحدة، وهذا الأمر الأشد تحريماً. وبكلام آخر، إذا كان القلق من التحكم الصيني فلا شك أن هذه الدول لن تسمح لها بالتحكم مجددا او توسيع تحكمها. مع ذلك، يجب ان لا نتوقع بان الصين سوف تُغرِق العالم بالبضائع لأنها هي أيضا تواجه نمواً أقل مما اعتدنا عليه سابقاً وهذا يُبقي مسألة العودة للعمل مطروحة.

يقول تقرير تقني صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) إن انكماشاً في إنتاج الصين بنسبة 2% له آثار مضاعفة تظهر على مجمل انسياب الاقتصاد العالمي، تسبّبت حتى الآن في انخفاض يقدّر بنحو 50 مليار دولار أميركي في التجارة بين الدول. ويشير إلى أن القطاعات الأكثر تضرراً من هذا الانخفاض تشمل «صناعة الأدوات الدقيقة والآلات ومعدات السيارات وأجهزة الاتصالات». هذا الأمر ناتج عن كون الصين أصبحت خلال العقدين الماضيين «أكبر مصدِّر في العالم وجزءاً لا يتجزأ من شبكات الإنتاج العالمية قد وطدت نفسها كمزوّد رئيسي للعديد من مدخلات ومكونات المنتجات المختلفة، مثل السيارات والهواتف المحمولة والمعدات الطبية، وغيرها». فالصين تلعب دوراً مهماً في إنتاج السلع وتوريدها لجميع أنحاء العالم، لذا فإن «أي خلل في الصين سيُشعر به أيضاً خارج حدود البلاد».
وهذا صحيح، ولكنه يصبح خطيراً على ضوء تناقص العرض على المستوى الدولي.

هنا تجد الراسمالية الغربية المتوحشة نفسها في مأزق جديد متمثلاً ليس فقط في محاصرة الصين للوباء  بل في عودة الصين للعمل وهذا يعني وجوب الطلب على المنتجات الصينية كضرورة. وهذا يعني تشغيل وسائل النقل اضطرارياً. فلن يكون بوسع الغرب والعالم التوقف عن العمل والتوقف عن الأكل معا ومطولاً.

ولكن الذهاب للاستيراد من الصين يعني، كما قلنا أعلاه،  أن الرأسمالية الغربية تقطع يدها اليمنى باليُسرى.

أما الصين فتُمعن في دعم “تحرير التجارة الدولية” ويبدو أنها تقول إذا كان الغرب يعتبر حدوده هو مكان وصول أقدام جنوده في العالم، فإن الصين تعتبر اليوم حدودها هو مكان وصول علاجها للكورونا وورائها بضائعها لا سيما وأن طريق الصين في التجارة الدولية هي تصريف سلع وتنمية معاً أي رأسمالية بمسحة اشتراكية.

خلاصة القول، فإن وباء كورونا قد ضعضع اقتصاد الرأسماليات الغربية، وفتح فرصة لتوسع الدور الصيني في الاقتصاد العالمي. لكن المسألة ليست فقط في نطاق التنافس الاقتصادي على أهميته، بل ايضاً في حدود تمثُّل البشرية لخطورة النظام الرأسمالي الذي تقوده المصالح الخاصة وفوضى الإنتاج والتي بانت عيوبها في الافتقار لمستلزمات مواجهة الأزمات الصحية بخلاف الصين وهو الأمر الذي فوجىء به العالم وكأن الدولة الصينية كانت تعمل بمفهوم السلطة سلطة رب الأسرة الذي عليه الجهوزية لمختلف المخاطر وليس فقط لتحصيل قلة قليلة لأعلى ربح ممكن. أي العمل من أجل الصحة والثروة بالتوازي.

وهذا يعني كيف يمكن للفكر الاشتراكي أن يعمل على تغيير في الذهنية والثقافة الشعبية بأن خيار العالم لم يعد الراسمالية. وهذا يعيدنا لمسألة هامة هي: إن استهلاك الإنسان للسلع وحتى المعمرة منها له تاريخ انتهاء، ولذا يمكن الانتقال منها إلى أخرى، أما الثقافة فتدوم طويلا ولذا تغيير الثقافة أو إعادة التثقيف تأخذ وقتا.

الجزء الأول

الجزء الثاني

الجزء الرابع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *