أقلام الوطن

رامب/و تدني الأجور و الإنتخابات …جانب اقتصادي في غير مصلحة ترامب

د. عادل سمارة

د. عادل سماره

 

 

تتركز حرب ترامب/و التجارية المعولمة ضد الصين أكثر من غيرها. في شِقِ من هذه الحرب “حماية” السوق الأمريكية من المنتجات الصينية الرخيصة التي بتدفقها إلى السوق الأمريكية حافظت على بقاء أجور العمال دون ضغط الارتفاع حيث غدت كلفة المعيشة أقل وحافظت على ذلك في العقود الثلاث الأخيرة ، وهذا حافظ على معدل مقبول للربح، لكن الراسمالية تبحث عن الربح الأقصى وهذا ما يذهب إليه ترامب/و.

فرحيل الشركات الأمريكية إلى الصين لم يُرض إدارة ترامب/و حيث أن أحد جوانبه تبعية أمريكية للصين، وهذا هائل، فكانت جوهرة وعوده الانتخابية إعادة هذه الشركات إلى أمريكا الأمر الذي أكسبه دعم  الطبقة البرجوازية سواء بأصواتها أو ماكينتها الإعلامية بقدرتها الإعمائية بالطبع.

يمكنك القول بأن تقديم تسهيلات ضريبية للشركات هي منافسة للاقتصاد الصيني أي حرب مخففة. ولكن ذلك لم يعط النتائج المطلوبة أو المرغوبة لإدارة ترامب/و مما دفعه لحرب تجارية معولمة، ولكن بشكل مركَّز ضد الصين.

ولكن حرب التجارة ضد الصين بشقها “الحمائي” الذي يقلِّص الواردات من الصين التي هي  متدنية الكلفة وبالتالي متدنية الأسعار سوف تقود الى ارتفاع كلفة المعيشة وبالتالي إلى ضغط العمال للحصول على أجور أعلى. وهذا قد لا تتوفر فرصة تحقيقه مما يُفقد ترامب/و اصواتا كثير من الطبقة العاملة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أهم أسباب ضعف النضال الطبقي العمالي في أمريكا رغم التبلور الطبقي الواضح جدا هناك هو قدرة الراسمالية الأمريكية على توفير مستوى دخل مقبول وبالتالي مستوى معيشة مقبول للعمال بشرائحهم الطبقية الثلاثة:

  • عمال الصناعات الإلكترونية أو أل (هاي-تك) الاقتصاد الجديد
  • الصناعات الكلاسيكية والثقيلة
  • قطاع الخدمات بتنوعاته

أما الشق المكمل لهذه الحرب فهو تخفيض الضرائب على الشركات الأمريكية العاملة في مناطق الأجور المتدنية وخاصة الصين كي تعود إلى أمريكا لتشجيعها على العودة إلى السوق الأميركية.

وهنا يحصل التناقض بمعنى:

  • إن مقاطعة منتجات الصين تجبر العمال على المطالبة باجور أعلى
  • ومطالبة العمال بأجور أعلى تناقض سياسة ترامب/و  بتحفيز الشركات

وهذا يعني زيادة الضرائب على القطاعات الشعبية عموماً، وهو الحل الكلاسيكي الذي تلجأ إليه الرأسمالية عادة سواء في المركز أو المحيط.

والسؤال: هل سيؤثر هذا كثيرا على الصوت الانتخابي لترامب/و في الانتخابات القادمة؟ 

صحيح أن القاعدة الانتخابية له كانت من الطبقة ما دون الوسطى والوسطى ومن طبقة الرأسمالية الإحتكارية. ولكن لا شك بأن الحزب الديمقراطي سوف يستغل هذا الضغط على أجور العمال كي يكسب مزيدا من الأصوات بحجة يساريته حتى وإن انتهى لترشيح جو بايدن على حساب بيرني ساندرز.

هنا قد تكمن نقطة ضعف أخرى في حملة ترامب/و الانتخابية، فهو وقد أعطى الكيان الصهيوني كل ما أمر به هذا الكيان، إلا أن ذلك لم يؤثر على القوة الانتخابية لساندرز الذي نقد بقوة  الكيان واللوبي الصهيوني مما يؤكد بأن الناخب الأمريكي يهمه الوضع الداخلي، وهذا طبيعي في مجتمع ثقافة رأس المال والملكية الخاصة والحياة اليومية، بمعنى أن السياسة الخارجية هي من اهتمامات الفئات المثقفة والمسيسة، وهذا قليلة العدد بالطبع حين تذهب الأمور إلى الصوت الانتخابي. وهذا الصوت في الشارع هو الذي خدم ترامب/وفي الانتخابات الأخيرة. وهنا لا نقلل من أثر اللوبي الصهيوني بقدر ما نؤكد على هُزال كل من تبعية الأنظمة العربية لأمريكا وعدم تبلور لوبي عربي مضاد في أمريكا نفسها. مع وجوب الاعتراف بأن المهاجِر والشتات العربيين هما ،للأسف، انعكاس وحتى امتداد للتجزئة والصراع وتهافت السياسة العربية. ولكن بالمقابل، فإن نقد ساندرز للكيان الصهيوني لا يُغري العامل الأمريكي الذي قلقه الأساس هو كلفة المعيشة.

نعود إلى أجور العمال حيث تُرافق مسألة تدني الأجور كافة مراحل تطور النظام الرأسمالي بما هي إكسير حياة هذه الطبقة التي لا تعمل ولا تُنتج. فالأجور هي ميدان الصراع الطبقي المخفي/المغطى بالقانون أو ما يسمى “حرية العامل في بيع قوة عمله أي جزء من جسمه هو جهده” بينه وبين الرأسمالي. فالعمال هم منتجوا القيمة الزائدة التي تنتهي أخيراً إلى مقدار ربح الرأسمالي بينما العامل هو الذي ينازع الرأسمالي على حصة أعلى للعامل من نفس الإنتاج الذي ينتجه العامل نفسه، أما تنافس الراسماليين في السوق الداخلي والدولي، فهو الميدان الثاني للمنافسة وصولا إلى الاحتكار.

جولات الصراع على الأجور وعلاقة ذلك بهبوط أسعار الخبز التقطها ماركس في القرن التاسع عشر في بريطانيا، البلد الرأسمالي الأقدم حينما تمكنت البرجوازية الصناعية وخاصة في مركزها في مانشستر في بريطانيا من كسر احتكار ملاك الأراضي لأسعار القمح وبالتالي حصول فرصة الاستيراد من الخارج حيث  تمكنت الرأسمالية الصناعية من تحقيق قيمة زائدة أعلى لأن الخبز اصبح اقل ثمناً الأمر الذي سمح للأجور بالتدني وبالتالي زادت أرباح الصناعيين. 

هناك دلالة على جانب لا إنساني في هذا العلاقة التناقضية، ولكن المستمرة، بين العامل والرأسمالي، هذا إلى أن تُكسر هذه العلاقة بالثورة ضد رأس المال. فإضافة إلى استغلال العمال وتحصيل قيمة زائدة متزايدة، فإن رأس المال يتعامل مع قوة العمل كسلعة تزداد كلفتها أو تنخفض حسب السوق في عملية نظر إلى الإنسان كما لو كان مجرد بضاعة عادية. وهذا يفتح على أهمية الوعي السياسي الطبقي للعمال بمعنى أنه حتى لو كانت الأجور كافية، فإن العامل هو مجرد سلعة في هذه العلاقة برأس المال، وهذا حافز للثورة. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *