أقلام الوطن

من الجسور المفتوحة إلى فك الارتباط وإعادته مع صفقة القرن (حلقة 3 من 3)

من جسور تطبيع إلى جسور مقاومة
المقاومة تعود عروبية لا قطرية

د. عادل سمارة

كتاب ادوارد سعيد

لم تخرج تسمية صفقة القرن عن الخطاب الراسمالي الاستيطاني الإمبريالي الأمريكي ابدا، ولذا، ليس “إبداعا” ترامبوياً، بقدر ما هو تقديم لحقيقة أمريكا ولكن بشكل رأسمالي فظ بناء على خلفية ترامبو الشخصية. ولأن هذه الصفقة متعلقة بالكيان الصهيوني والقطريات العربية فإن وجود الكيان نفسه هو صفقة راسمالية لاستهداف الوطن العربي ومن ثم استباحته كما يحصل اليوم وإطلاق انياب إرهابيي الدين السياسي الإسلامي من وهابيين وإخوان وترك في جسد الأمة العربية.
ليس هنا مجال البحث عن جذور مؤامرة الاستهداف وصولا إلى إعلان الاستباحة، بقدر وجوب الإشارة إلى أن الثورة المضادة تفتح النار بعرض الوطن العربي. لكن المفروض الإشارة إليه بأن الاستباحة المعلنة قد أتت بعد سايكس بيكو بعقود، اي حينما تم الإجهاز الكبير على المشروع العروبي وخاصة حينما وصل الإجهاز قمته باشتراك قطريات عربية مع جيوش الإمبريالية في تدمير العراق 1991. ونقاشنا هنا هو فقط: بان هذا الاشتراك كان بوابة” شرعنة” الاحترابات البينية العربية والتي نراها اليوم وخاصة على أيدي أنظمة وقوى الدين السياسي. لقد تم كسر المحرَّم على رؤوس الأشهاد. ونظراً لانهيار قوى حركة التحرر العربية: القومية والشيوعية، لم يعد هناك من يرى في هذه الحروب العميلة اي حيف. لعل عراق اليوم مثالا، جزء منه استدعى الفحل الأمريكي، وجزء يطالب هذا الفحل اليوم بالبقاء في العراق!!! يا الله!!! والطريف أن جزء من الشيوعيين يعشقون الفحل الأمريكي! بدل أن يقيدوه بالخِصاء.
كما لا يرى أحد بعد، أو ربما قلة ترى فقط، ما معنى إذلال ترامبو لحكام النفط خاصة ووضع اليد حتى على مصاغ عشيقاتهم من نساء وغلمان، لأن من الطبيعي أن يمتطي هذا الفاشي الصهيوني مختلف حكام الكمبرادور العرب الذين يكادون يدينون بوجودهم البيولوجي للمستعمِر الأمريكي في حقبة الراسمالية المعولمة حيث يعتبرون ارض الوطن وثرواته هي من حق الغرب وخاصة الأمريكي، ولن يمر وقت طويل قبل أن يقولوا هذا صراحة. لذا يمتطي ترامبو هؤلاء كمن يركب حصانا ويجلده ليعدو إلى أن يسقط ارضاً.غير ذي اسف عليه. في هذا السياق يمكن قراءة التفكير السلطوي الأردني باستعادة الارتباط الذي قام على وحدة الضفتين ضد العدو الصهيوني، هذا هو الفهم الشعبي للأمر وخاصة الحركة الوطنية الأردنية الفلسطينية وحتى العربية إثر اغتصاب فلسطين. لذا كانت أحزاب البعث والقوميين العرب مشتركة بنفس الإسم في مختلف الأقطار العربية . لكن هزيمة حزيران حرَّشت الإقليمية الفلسطينية لتدعي أنها وحدها الكفيلة بتحرير فلسطين بعيدا عن العمق العربي الشعبي طبعا حيث ابقت على علاقة بالأنظمة الرسمية التي خرج معظمها من الصراع، بل إن بعضها كالخليج لم يدخل الصراع أصلا، ليتكشف مؤخراً أنه كان على وئام مع العدو يجمعهما العداء للعروبة. أما إقليمية م.ت.ف فوصلت مؤخراً إلى وضعية انعدام الوزن.
لذا، ربما كان تأجيل انتخابات أوسلو منذ اشهر والصمت عن ذلك هو أمر متعلق بصفقة القرن والاستعادة الرسمية الأردنية، ربما لانتخاب برلمان مشترك يتكفل بتكفين جنازة الوطن للصهيوني، لكنه وطن مهما أُصيب، لم يمت ولن يموت.
يردنا تطبيق السياسة الأمريكية تجاه الوطن العربي، سواء في إدارة ترامبو باسم “صفقة القرن” أو ما قبله (انظر كتابنا تحت الطبع Debatable Issues Polemic Critique) إلى جذور تلك السياسة وخاصة من حيث أن العدوان وإن تموضع أولا في اغتصاب فلسطين، فإنها، أي فلسطين كانت موطىء القدم للانقضاض على الوطن العربي، ومن هنا جاءت التسمية المتعارف عليها ثوريا في العالم بأن الكيان هو كلب حراسة مصالح الغرب وهي حراسة أصبحت مع الزمن توسيع تلك المصالح. ونقصد بكلب الحراسة أن الكيان باجمعه بنية عميلة للأمبريالية من عامل تنظيف الشوارع إلى رئيس الوزراء.
وعليه، فإن أخطر جريمة كانت فك القضية الفلسطينية عن عمقها العربي، الشعبي والرسمي. ولكن التاريخ لا يخجل، فها هي الأحداث تتحدانا جميعا مما يعيد بناء واقع المقاومة عروبياً. فالتطبيع في موجته الأولى (مصر، م.ت.ف، الأردن) ومن ثم الثانية (الخليج المتآكل بالحتِّ) ، وإعادة الارتباط الأردني مع المحتل 1967، تعني بوضوح احتلال صهيوني للوطن العربي عبر التطبيع وتذويب الكيانية السيادية للأردن ولاحقا غيره إن أمكن، وها هو العراق مثالا، ناهيك عن حال فلسطين. وهذا مشروع إن نجح، سيجد له زبونا جديد هو نصف لبنان، اي اليمين البرجوازي والفاشي من المسلمين والمسيحيين معاً وسنرى حينها، إن تمكنت الثورة المضادة من التوسع كيف ستنخرط مختلف قوى الدين السياسي في الإجهاز على كامل الوطن العربي.
نستذكر هنا ما طرحه صهاينة وفلسطينيون عن تشكيل اتحاد اسماه أحدهم وهو التطبيعي الراحل ابراهيم الدقاق” اتحاد بر الشام” الذي يضم الكيان وبقية فلسطين والأردن وسوريا ولبنان! وكل هذا لا يخرج عن رؤيتنا بأن المقصود هو اندماج الكيان الصهيوني في الوطن العربي اندماجا مهيمناً.(انظر كتابنا “الحماية الشعبية 1991).
واليوم، حيث يتم تتويج الكيان على كامل فلسطين والأردن تقوم مجموعات من متساقطي اليسار واليمين بالترويج ل “الدولة الواحدة” مع الكيان ودعوة البعض إلى دولة فاقعة الخيانة أي مع المستوطنين، بقودهم الخائن د. يحيى غدار من بيروت.
تقتضي وتشترط سواء صفقة القرن أو اية تسمية أخرى لمشروع الثورة المضادة تخندقا واصطفافا عروبيا ومقاومة. وهذا يفتح على دور ورؤية محور المقاومة القائم حالياً بمعنى: أنه حتى لو لم تكن جميع مكوناته مع المشاركة في تحرير فلسطين، فإنها معنية اليوم بالمقاومة دفاعا عن وجود اقطارها نفسها.
أما ومفاعيل إعادة الارتباط من جانب النظام الأردني، بغض النظر عن اللجوء إلى خطاب اعتدنا عليه بمعنى فقر الأردن وحاجته وأزماته…الخ مما يرغمه على تقديم تنازلات، فإن الإقدام على تنفيذ ما تقتضيه منه صفقة القرن هو تحويل النظام إلى راس حربة الثورة المضادة لإنجاز هدفين
*تصفية القضية الفلسطينية، والقطر الأردني
*ومواصلة استباحة الوطن العربي.
صحيح أن الأردن كيان فقير صغير لا يمكنه الاعتماد على نفسه، ولكن كان المفروض تاريخيا أن ينضم إلى سوريا أو العراق وأن يكون جسر الربط بينهما. هذا مع أن ما طرحه اكثر من اقتصادي اردني (المهندس د.سفيان التل مثلا)، فإن في باطن الأرض ثروات هائلة حيل دون استثمارها لأهداف سياسية اهمها ان يبقى البلد فقيرا لتبرير تبعيته.
إن تورط الأردن في صفقة القرن يعني إتساع مقاومة هذا العدوان لتشمل حغرافيا الأردن وفلسطين وهي مقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني والنظامين الأردني والفلسطيني اللذين يحتميان في كنفه، وهذا يعني تشابك العمل المقاوم مع سوريا والعراق أي تجديد البعد العروبي للعمل المقاوم متجاوزا البُنى القطرية لصالح نضال قومي متواصل ومتحد.
ربما لم يقرأ إستراتيجيو الكيان علاقة الجغرافيا بالمقاومة، فمقاومة فلسطينيي المحتل 1948 كانت أخف من مقاومة المحتل 1967، ومقاومة 1967 ستكون حتماً أخف من مقاومة اردنية فلسطينية لاحقا إذا ما اتسع نطاق غرفة “موك” لتفكيك الكيانية الأردنية.
صحيح ان لا مقاومة موحدة دون أن تواجهها مخابرات وعسكر موحدة، ولكن تنسيق المخابرات لم يتوقف أبدا، كما أن اتساع الجغرافيا دائما في مصلحة الشعوب.
إن ذهاب النظام الأردني لهذا الخيار هو استكمال/انتهاء دوره منذ قرن بأن يكون سورا شرقيا للكيان، أما وقد استُنفذ هذا الدور وصار من مصلحة الكيان اختراق الفضاء العربي بشكل مفتوح فها هو يحوِّل الأردن إلى ساحة وفضاء للتطبيع المفتوح ليفيض الكيان على مجمل الوطن العربي.
هل من المفاجىء أن تجرنا السلطة الأردنية باستعادة الارتباط الشكلاني وبقاء السلطة الفلسطينية في دائرة أوسلو إلى مقاومة العدو خلال تطبيعهما معه وهيمنته عليهما، إنها مفارقة التاريخ. ولا عذر لنا إن لم نتوقعها، أو لم نتوقع أن يكون القمع ثلاثياً والإشراف امريكيا.
يعيب البعض من الإقليميين الفلسطينيين على الشهيد ناهض حتر أنه كان مع “دسترة” فك الارتباط! غريب، قد يبدو هذا إقليمية أردنية. والحقيقة لا ابداً. لأن الرجل كان يقصد بان عودة الأردن يجب ان تكون بالتحرير وليس بالتمرير من تحت جسر عليه جنود الكيان، وها إن عدم الدسترة، قد فتح الباب لاستعادة الارتباط مما يسهل على الكيان طرد بقية الفلسطينيين من الضفة الغربية باعتبارنا حينها رعايا دولة اجنبية، أما غزة فلا شك ان الشغل على تأميرها جاري. وإن حصلت إعادة الارتباط، فسندخل في حرب ضروس بين الأقليميين الفلسطينيين والأردنيين وحينها سيجد السوسيولوجيون الصهاينة مادة غنية في دراسة صراع مشبوه وأعمى وخاصة لسامي سموحة وشلومو أفنيري والمتصهينين الفلسطينيين أمثال ماجد الحاج، واسعد غانم.
أما النظام الأردني، وحلفاؤه من الفلسطينيين سواء اجنحة في السلطة أو تجار الكمبرادور فلا شك بأنهم يدرسون كيفية تخريج الورطة كانتصار قد يرفعونه إلى مستوى رد المعتصم على “وامعتصماه”!
مرة أخرى، العنقاء لا تموت، أو طائر الرعد بثقافة الهنود الحمر، فمهما ساوم وتخاذل وتقاعد مناضل أو مقاتل او مثقف او حزب أو سلطة، فالشعب العربي يفرز بالضرورة من هم افضل منه. حين اعتقلنا العدو للمرة الأولى 1967 ضمن الجبهة الشعبية كنت اعتقد اننا الأفضل، فكان من هم بعدنا افضل منا. وحين اقتلعت المقاومة من بيروت الى تونس جاءت الحركة الوطنية اللبنانبة وحزب الله افضل.

ما قاله إدوارد سعيد في كتابه

وللأسف، فإن من يفهم هذه الحقائق هم ارذل الناس، اي اجهزة القمع، بينما هذا ما يجب ان يعرفه الثوري ومقاتل حرب الغوار. صحيح أن تنسيق اجهزة الأمن سوف يُعيق المقاومة، ولكن انتشار الكيان في بقعة أوسع مليئة بالشعب هو لصالح المقاومة والتي تاخذ كما حال المقاومة الفلسطينية بعدا طبقيا اوضح بكثير، ذلك أن الكمبردور سيواصل اصطفافه اللاوطني مقابل الطبقات الشعبية.
إن أهم دروس صفقة القرن، بغض النظر عن اسمها وصياغتها هو أن هذا الوطن عربي والمقاومة عروبية، والجسور التي أعاد بناءها موشيه ديان من أجل التطبيع ومرور العملاء من طراز أدوات العميل د. يحي غدار في لبنان وطبعا عزمي بشارة، واعتقال الشرفاء سوف تعود لأصلها جسور المقاومة ووحدة شرفاء الشعبين وليست وحدة انظمة تغطي على ارض يدنسها العدو.
لإن الوقاحة التي تجلت في التنسيق العلني بين ترامبو ونتنياهو وجانس في إخراج صفقة القرن وفرضها هي أحد حوافز النضال المشترك بين سليمان خاطر وأحمد الدقامسة ونمور العمليات الفردية في فلسطين التي هي روافع للتحريك الشعبي الجماعي.
ملاحظة1: لقد تم فك الارتباط باستثناء مستواه المخابراتي. (لهذا حديث آخر)
ملاحظة2: مرفقة صورة غلاف وصفحة ما قاله إدوارد سعيد عن دوره في نقل الرسائل بين قيادة م.ت.ف والعدو الأمريكي 1979. وهو ما ورد في الحلقة 2

رابط الحلقة الأولى

رابط الحلقة الثانية

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *