أقلام الوطن

الحالة (ج)

محمد سيف الدولة

(ج) هو اسم المنطقة فى سيناء المجاورة للحدود الدولية مع فلسطين المحتلة.

وبهذا المعنى فان (ج) فى هذه السطور ترمز لأي أراضي عربية منزوعة او مقيدة السلاح بموجب معاهدات او قرارات دولية أو سياسات امريكية لحماية امن (اسرائيل).

***

ونظرة مدققة لأحوال العالم العربى، ستكشف كيف أن غالبية الدول العربية وأراضيها اصبحت مناطق (ج) تخضع لنظرية الأمن الاسرائيلى بطريقة أو بأخرى:

1)   فى مصر وبموجب الملحق الامنى فى اتفاقيات كامب ديفيد ١٩٧٨-١٩٧٩ تم تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح، حيث تم تقسيمها الى ثلاث شرائح طولية (ا) و (ب) و (ج)، لا يسمح لمصر باكثر من 22 الف جندى و 230 دبابة فى المنطقة (أ) المجاورة لقناة السويس، و4000 عسكرى حرس حدود فقط مسلحين بأسلحة خفيفة فى وسط سيناء المسماة بالمنطقة (ب)، وشرطة فقط فى المنطقة (ج)، الا باذن اسرائيل كما هو الوضع الحالى فى اطار التنسيق الأمني المصري الإسرائيلي لمكافحة الارهاب فى سيناء.

2)   فى الأردن نصت اتفاقيات وادى عربة، على عدم انسحاب المستوطنين الاسرائيليين من اراضى اردنية وهى منطقة الباقورة/نهاريم في الأغوار الشمالية، ومنطقة الغمر/تسوفار في وادي عربة جنوبًا وبقائهم فيها تحت حماية الشرطة والقوانين والسيادة الاسرائيلية الفعلية تحت مسمى الايجار لمدة 25 سنة قابلة للتجديد.

3)   وفى الضفة الغربية المحتلة، تم تقسيمها بموجب اتفاقيات اوسلو الى ثلاث مناطق (A) وتخضع للسيطرة مدنية وأمنية فلسطينية 18 % من مساحة الضفة، و (B) سيطرة مدنية وأمنية فلسطينية اسرائيلية مشتركة 21 % من مساحة الضفة، و(C) تخضع بشكل كامل لسيطرة مدنية وامنية اسرائيلية منفردة وهى تمثل 61 % من مساحة الضفة الغربية. (هذا على الورق، أما على الأرض فان الضفة تخضع كلها لسيطرة قوات الاحتلال).

4)   اما فى غزة فان الحصار القاتل والحروب الثلاثة الكبرى التى شنتها اسرائيل عليها اعوام 2008 و2012 و 2014 كانت تستهدف نزع سلاح المقاومة، بمباركة ومشاركة، وياللعجب، اطراف عربية وفلسطينية.

5)   وفيما يتعلق بالموقف الصهيونى من قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، فان نتنياهو كثيرا ما يصرح، بأنه حتى اذا وافقت (اسرائيل) يوما ما على اعطاء الفلسطينيين “دولة ما” قابلة للحياة، فانها يجب ان تكون منزوعة السلاح.

6)   فى لبنان وبعد العدوان الصهيونى عام ٢٠٠٦ وحرب الـ 34 يوما ورغم انتصار المقاومة اللبنانية، صدر قرار مجلس الامن رقم 1701 الذي نص على اخلاء الجنوب اللبنانى حتى نهر الليطانى من قوات حزب الله، بدون أن ينص على انسحاب مماثل للقوات الاسرائيلية داخل فلسطين المحتلة، ليتم مرة أخرى مكافأة المعتدى.

7)   بعد حرب ٢٠٠٨ـ ٢٠٠٩ التى يسميها العدو الصهيونى بعملية “الرصاص المصبوب” على غزة والتى ارتقى فيها ما يزيد عن 1500 شهيد، وقعت الولايات المتحدة واسرائيل الاتفاقية الاستراتيجية الامنية المعروفة باسم اتفاقية “ليفنى ـ رايس” والتى نصت على فرض رقابة أمنية وعسكرية بقيادة الولايات المتحدة وحلف الناتو وتعاون الدول العربية والاقليمية، على النطاق الجغرافى الممتد من جبل طارق الى باب المندب الى شرق افريقيا لحظر وصول أى سلاح للمقاومة الفلسطينية فى غزة. (وهى اتفاقية واحدة فقط من عشرات الاتفاقيات الأمنية الاستراتيجية بين امريكا واسرائيل).

8)   وفى سوريا بطبيعة الحال لا يحتاج الصهاينة الى منطقة منزوعة السلاح لتأمين كيانهم، اذ تقوم الجولان تحت الاحتلال بهذا الدور وأكثر. ناهيك عن الاعتداءات الاسرائيلية الدورية لقصف وتدمير مواقع ومصانع ومخازن للاسلحة السورية.

9)   وفى ذات السياق تأتى الغارات التى لا تتوقف عن الدول العربية من أول تونس 1985 و1988و2016 الى العراق 1981، مرورا بالسودان اعوام 1998 و2009 و2012 …الخ بدون أن تواجه (اسرائيل) بأى انتقام أو رد فعل عربى مماثل، أكثر من التصريح الشهير “بأننا نحتفظ لأنفسنا بحق الرد”.

10)          وفى الولايات المتحدة، هناك قانون عتيق وشهير فى الكونجرس يحظر على أى صفقة سلاح أمريكية الى الشرق الأوسط أن تخل بالتفوق العسكري الإسرائيلي على كل الدول العربية مجتمعة.

11)          وهو ما يتم التحكم فيه فى حالات مثل مصر والاردن على سبيل المثال، من خلال المعونة العسكرية التى يقدمها الامريكان لكل منهما، بعد توقيعهما اتفاقيات سلام مع (اسرائيل)، والتى تمكنهم من التحكم فى ميزان القوى العسكرية والحفاظ على التفوق الاسرائيلى وذلك من خلال التفرقة والتمييز فى حجم المعونة ونوعية السلاح وحداثته وامكانياته وقطع الغيار، بالإضافة الى اشتراط حظر استخدامه فى مواجهة حلفاء الولايات المتحدة وعلى راسهم (اسرائيل) بطبيعة الحال. وهي ذات المواصفات والقيود التى تنطبق على صفقات الاسلحة الامريكية التى تقدر بمئات المليارات من الدولارات الى السعودية ودول الخليج.

12)          ثم أخيرا وليس آخرا يأتى الدعم الأمريكي الاوروبى للسلاح النووى الاسرائيلى مقابل حظره وتحريمه على أى دولة أخرى فى الشرق الاوسط.

والأمثلة كثيرة.

***

والخلاصة هى أن المبدأ الحاكم فى المنطقة هو أن القوى العسكرية العربية هى شأن أمريكى/اسرائيلى محض؛ تراقباه وتقيداه وتتحكما فيه على قاعدة الحفاظ على التفوق الاسرائيلى الى ما شاء الله.

فى حين انه على الجانب الآخر، لا تجرؤ أي دولة عربية على الاعتراض او التعقيب على الدعم العسكرى الغربى اللامتناهى لإسرائيل وفقا لمنطق هذا قدرنا الذي لا قبل لنا به.

والغريب هنا، ان هذا لم يكن هو حالنا بعد هزيمة 1967، فلقد كانت ارادة الحرب والمقاومة هى المبدأ والقاعدة السائدة مصريا وعربيا، ولم تخترقنا جرثومة اليأس والاستسلام الرسمى العربى الا بعد حرب 1973 !

***

مناسبة كتابة هذا الكلام اليوم، هو الصدمة التى ضربت غالبية الشعوب العربية، من عجز دولها وانظمتها وحكامها أمام الجرائم والعربدة الاسرائيلية اليومية وأمام القرار الأمريكى الأخير بالاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لاسرائيل تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية فى اطار ما يسمى بصفقة القرن، وما صاحبها من وقاحة أمريكية منقطعة النظير مثل سخرية السفيرة الامريكية الصهيونية “نيكى هايلى” من الضعف والعجز والخوف العربى، وتجاهلها للتحذيرات الدولية من ردود فعل الدول العربية والاسلامية حين قالت: “ان السماء لا تزال فى مكانها ولم تسقط على الارض بعد نقل السفارة.”

فوددنا أن نؤكد لكل هؤلاء المصدومين أن السبب الرئيسى لما نحن فيه ليس هو التفوق العسكرى الاسرائيلى، وانما هو الاستسلام العربى الرسمى الكامل والمزمن لهذا الوضع.

 

وهو ما يطرح عديد من الأسئلة:

1)   هل هذا قدرنا بالفعل؟ والى متى؟ وهل يمكن ان يستمر هذا الوضع لقرن آخر يمتد الى حياة احفاد احفادنا؟

2)   ام اننا يمكن ان ننجو ونخرج منه فى المنظور القريب؟

3)   وإذا كان هناك مخرجا، فما هو السبيل؟

4)   وإذا لم يكن هناك املا كبيرا قريبا، لا قدر الله، فما العمل؟ وما هى المهام والادوار الملقاة على عاتق القوى الوطنية فى هذه المرحلة وفى مواجهة هذا الوضع؟

5)   وماذا يمكن ان تفعل الشعوب المقهورة والمستبد بها، اذا كان هذا هو حال القابضين على مقاليد السلطة والقوة فى بلادهم؟

***

وفى ختام هذا الحديث، لسنا فى حاجة الى التأكيد، بطبيعة الحال، على ان الحالة (ج) المزرية للوضع العربى الرسمى، لا تنطبق بأى حال من الأحوال على الشعب الفلسطينى، الذي يبهرنا باشتباكاته المستمرة مع الاحتلال، ونجاحه فى أن يصنع ويحقق معادلة عبقرية فى توازن الردع، رغم الفارق الهائل فى القوة العسكرية،

*****

القاهرة فى 12 يونيو 2018

[email protected]

 

 

محمد سيف الدولة

محمد عصمت سيف الدولة مؤسس حركة مصريون ضد الصهيونية، والمتخصص في الصراع العربي الصهيوني واتفاقيات كامب ديفيد، ومن أبرز المعارضين لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وما اقترن بها من تبعية مصرية للولايات المتحدة الأمريكية. له العديد من المحاضرات والكتابات في العلاقات المصرية الإسرائيلية والأمريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *