أقلام الوطن

العراق : الانتخابات المرتقبة بضاعة معلبة وفاسدة

عوني القلمجي

كما جرت العادة في الانتخابات السابقة، فإن حدة الصراع بين الكتل والطوائف والمليشيات الحاكمة، لكسب الأصوات، تزداد حدة وبطرق مخزية ومعيبة واجراميا أحيانا، كلما اقترب موعدها. حيث يجرى صرف مئات الملايين  من الدولارات على شيوخ ورؤساء العشائر والمتنفذين والوصولين، واكثر منها على الدعايات الانتخابية ووسائل الاعلام المختلفة، وشراء ذمم عدد كبير من الصحفيين ومقدمي البرامج والاقلام الماجورة. أما توزيع الهبات والهدايا على الفقراء والمعدمين فقد بلغت من التفاهة والمهازل حدا مخجلا ومهينا. فالبعض وزع وجبات من الكباب والشاورما والاخر كارتات موبايل او ادوات منزلية. في حين بلغ عمار الحكيم في هذا الخصوص درجة من قلة الذوق والاخلاق ما يندى له الجبين، حيث وضع صورته واسم تياره ” الحكمة” على اغلفة الملابس الداخلية التي وزعها على فئات عديدة من الناس. اما النائب”الفلته” فائق الشيخ علي. فهو قد خاطب، بالصوت والصورة، العركجية، والمقصود بهم شاربي الخمور والقندرجية والتكنجية، مطالبا إياهم بانتخابه في المجلس القادم كونه، كما قال، المدافع الامين عنهم وحامي حماهم من اي اعتداء يقع عليهم، او قانون يحد من حريتهم.. والقائمة بهذه التفاهات والمهازل وسوء الأخلاق طويلة ومؤلمة.

أما من حيث الهدف، فالفائز بالانتخابات لا يسعى اطلاقا الى تنفيذ وعوده الكاذبة بتقديم خدماته للناس وتحقيق مطالبهم، وانما يسعى من خلال مقعده في البرلمان، او لاحقا في الحكومة لان يصبح مليونيرا أو مليارديرا بغمضة عين، خاصة وان هذا المقعد يضمن له عدم محاسبته او مسائلته حتى وفق قانون “من اين لك هذا”. كون هذا المقعد محميا بتعويذة نظام المحاصصة الطائفية والعرقية. على العكس تماما عما يجري في الدول الديمقراطية، حتى في ابسط اشكالها وصورها. حيث يجري التنافس  بين الاحزاب والشخصيات السياسية بأساليب سلمية وحضارية لكسب الاصوات، من خلال عرض برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تصب جميعها في مشاريع، هدفها في الاساس خدمة الناس وتحقيق مزيد من التقدم والرقي لبلدانها.

هذه الحقيقة لا تقودنا الا لاستنتاج واحد، بأن الانتخابات القادمة التي تجري المراهنة عليها وعلى جدواها، لن تكون سوى نسخة مشوهة للانتخابات التي سبقت. واذا حدث وتمخضت عن تغيرات او إصلاحات محدودة ، لذر الرماد في العيون، او لغايات في نفس المحتل، فانها لن تغير من الأمر شيئا. فقانون الانتخابات، على سبيل المثال لا الحصر، الذي وضعه الحاكم المدني للعراق بول بريمر بعد الاحتلال، وسارت على أساسه الانتخابات جميعها، والذي لا يزال معمولا به لحد الآن، لا ينتج عنه غير فوز هذه الكتل والطوائف الحاكمة والسراق والحرامية والمجرمين. حيث ينص هذا القانون على توزيع جميع المقاعد في البرلمان على الكيانات السياسية من خلال نظام للتمثيل النسبي، ونظام الدوائر على عدد المحافظات وتوزيع المناصب على اسس طائفية وعرقية، وهذه الاسس الطائفية والعرقية محمية من قبل عدد من مواد الدستور، التي لا مجال لشرحها هنا. وبالتالي ليس غريبا أن ينتج عن هذا القانون حكومات سداها المحاصصة الطائفية ولحمتها خدمة مشروع الاحتلال الأمريكي، وتنفيذ أجندات ملالي طهران . اما الية عملها فهي تستند على سرقة المال العام والفساد الاداري والمالي وارتكاب الجرائم والموبقات. ولا يغير من هذه الحقيقة التعديلات البائسة التي جرى اقرارها على قانون الانتخابات في الاونة الاخيرة.

بالمقابل فعلى ارض الواقع، وبحسبة بسيطة، او حسبة عرب كما يقال، فقد اثبت هذا الواقع عدم جدوى هذه الانتخابات. فمن جهة فان النتائج المأساوية التي أفرزتها  ثلاثة تجارب انتخابية سابقة، أكدت بأن الانتخابات في العراق لم تجر من أجل بناء نظام ديمقراطي يخدم العراق وأهله كما يدعون، وانما تجري من اجل توفير الية سياسية ذات صفة ديمقراطية، وبقيادة الحرامية والمجرمين، كي تتمكن أمريكا من خلالها من حكم البلاد بطريقة غير مباشرة، بعد فشلها في تحقيق ذلك عبر الحاكم العسكري جي كارنر، ثم الحاكم المدني بول بريمر. حيث للديمقراطية وقع كبير في نفوس العراقيين جراء حرمانهم منها عقود طويلة من الزمن. واذا لم يكن الأمر كذلك لكان علينا جميعا تصديق مقولة الامريكان، بانهم جاءوا الى العراق محررين وليس محتلين. هذه هي الحقيقة وأي خلاف حولها يعد، أما سذاجة سياسية، او لتحقيق اهداف ذاتية او فئوية ضيقة.

اما فيما يخص وعود هؤلاء ذوي الوجوه الكالحة، أو القادمون الجدد، في اجراء اصلاحات في العراق، فكاتب هذه السطور لا يرى فيها سوى حجما هائلا من الاوهام والخيالات المريضة، فالحكومات السابقة واللاحقة لا تملك من أمرها شيئا. فهي اداة بيد المحتل الامريكي وكذلك الفارسي. وهذا المحتل وخصوصا الامريكي، لم يات الى العراق، كما يدعون، لتدمير اسلحة الدمار الشامل،الغير موجودة اصلا، او تخليص العراقيين من دكتاتورية النظام السابق، وبناء العراق الجديد، وإنما جاءت من اجل تدميره دولة ومجتمع، من خلال مخطط اعدت له الولايات المتحدة منذ صعود بوش الابن للسلطة. وكان عنوانه الرئيسي احتلال العراق والتعامل معه كمستعمرة امريكية بامتياز، ليشكل لاحقا الحلقة المركزية في مشروع بناء الامبراطورية الكونية التي ينتهي التاريخ عند أبوابها. ولا يغير من هذه الحقيقة انسحاب القوات الامريكية من العراق فهي لم تزل تمتلك قواعد وقوات عسكرية واكبر سفارة في العالم. ومن ينكر ان العراق لم يزل تحت الاحتلال الامريكي وتابعه الفارسي لهو في ضلال مبين، او له غايات فئوية او حزبية ضيقة، او من المستفيدين من هذه الحكومة. واذا كان الامر غير ذلك، فبماذا نفسر حرص أمريكا الشديد جدا على بناء عملية سياسية سداها المحاصصة الطائفية والعرقية ولحمتها عملاء امريكا وايران؟. ثم ماذا يعني وضع دستور ملغوم من اوله الى اخره يشرعن هذه العملية السياسية الطائفية ويحافظ على ديمومتها؟ وبماذا نفسر تمسكها باللصوص والمجرمين ووضعهم على راس السلطة؟.

المؤسف حقا هو تجاهل هذه الحقائق من قبل البعض وخاصة السياسيين الذين يدعون معاداتهم للاحتلال والعملية السياسية الطائفية. فبدلا من القيام بفضح وتعرية هذه الانتخابات، ودعوة الناس الى مقاطعتها، ذهبوا بالاتجاه المعاكس، واخذوا يروجون لهذه الانتخابات، ويدعون الناس للمشاركة فيها. بل راحوا يزرعون الاوهام والامال في العقول، حول امكانية فوز الوطنيين هذه المرة وطرد الفاسدين وتشكيل حكومة وطنية قادرة على تغيير العملية السياسية وإلغاء نظام المحاصصة وتعديل الدستور والشروع  في تحقيق الإصلاحات المنشودة التي طالب بها عموم الناس. وبالتالي فهم بهذا الفعل المشين يساهمون في شرعنة عملية الاحتلال السياسية وشرعنة ذات الوجوه الكالحة التي ستفوز حتما في هذه الانتخابات شاء من شاء وابا من ابا.

أما الأتباع والمريدين والمستفدين من هذا الوضع المزري، والذي لم يعد بإمكانهم الدفاع عن العملية السياسية والحكومة أو جدوى الانتخابات، فهم قد لجأوا للدفاع عن هؤلاء الحرامية الى التلاعب بالمقولات، ومن ابرزها ان السياسة فن الممكن، أو التصرف بالعقل وليس العواطف، او عدم تجاهل القوة الضاربة للمحتل و للحكومة العميلة. ليجري الوصول الى القول بان مقاطعة الانتخابات لا تجدي نفعا، وان الانتفاضات الشعبية قد تؤدي الى مزيد من سفك الدماء. وبالتالي علينا الاستسلام للأمر الواقع. في حين أن كل هذه المقولات تتعاكس مع الثوابت الوطنية من جهة، ومن جهة ثانية تتجاهل تجارب شعوب الارض قاطبة التي اثبتت صحتها، وعبر مراحل التاريخ المختلفة. ومن ابرزها أن الشعوب قادرة على انتزاع حقوقها المشروعة مهما بلغ اعدائها من قوة وبأس.

ولم تكن المرجعيات الدينية، وعلى راسها على السيستاني، بعيدة عن هذا التوجه المشين. فبعد أن أزكمت رائحة هؤلاء النتنة الأنوف، اضطرت إلى إصدار الفتاوى عن طريق وكلائها  للحفاظ على الفاسدين بطريقة ملغومة. حيث قالت تحت عنوان الذي يجرب المجرب مخرب. وتعني بذلك عدم اختيار الفاسدين من قبل الناس. وهي بذلك تدعوالناس بشكل صريح للاشتراك في الانتخابات، وهذا ما يسعى إليه المحتلون. وبالتالي فهي تحمل المسؤولية مسبقا للشعب العراقي. حيث تعلم علم اليقين بان فوز الفاسدين لا شك فيه. في حين كان المطلوب أن تعتبر العملية السياسية والانتخابات ذاتها  قد جرى تجريبها ثلاثة مرات وفشلت فشلا ذريعا، وان من يشارك فيها فهو مخرب. بل كان عليها ان تطالب الناس بوضوح بمقاطعة الانتخابات واسقاط العملية السياسية، كونها مجربة ومتوجة بالفشل الذريع، اليس كذلك ايها المراجع العظام.

باختصار شديد جدا، فان الانتخابات في العراق هي كذبة مفضوحة، وان المشاركة فيها هي بمثابة الاعتراف بمشروعية العملية السياسية، كون الانتخابات واحدة من اعمدتها، وفي نفس الوقت اعطاء الحق لذات الوجوه الكالحة التي ستفوز حتما، لمواصلة سرقاتهم من جهة، وخدمة مشروع الاحتلال  وتكريسه لعقود طويلة من الزمن من جهة أخرى.

ان الطريق الوحيد لطرد هؤلاء الحرامية والفاسدين، واسقاط العملية السياسية برمتها واقامة حكومة وطنية تعيد للعراق استقلاله وسيادته الوطنية وتحقق للشعب العراقي كامل مطالبه المشروعة هو مقاطعة الانتخابات كونها تنزع الشرعية عن هؤلاء الفاسدين التي يتمترسون خلفها.  وهذا ما يفسر ذعر المحتل الامريكي وتابعه ملالي طهران من اجراء اي تغيير على عمليتهم السياسية، وخاصة نظام المحاصصة الطائفية والعرقية. الأمر الذي يدعونا جميعا الى المساهمة في تبصير الناس بجريمة الاشتراك في هذه الانتخابات. فالاعتماد على قدرة عموم الشعب العراقي باكتشاف كذب وزيف هذه المحاولات لوحده، يعد نوع من التجني والظلم. فهذا الشعب  قد ضاقت به سبل الحياة وانهكت قواه الة الدمار والقتل من جهة، وتاثره بالحملات الاعلامية المضللة والوعود الكاذبة من جهة اخرى. ناهيك عن الإحباط الذي اصابهم جراء تراجع الانتفاضة الشعبية.

ايها الناس، قاطعوا الانتخابات، فهي رجس من عمل شياطين أمريكا وملالي طهران.

 

4/5/2018

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *