أقلام الوطن

القوة تتحرك من بين يدي أمريكا لتستقر في روسيا والصين؛   أميركا تـُقرْ بفشلها في سوريا

بقلم : نبيهة إبراهيم

في إجراء ينذر بتحولات كبيرة في تجارة النفط ، أقدمت الصين  في السادس والعشرين من الشهر الماضي على شراء عقود التفط بعملتها الوطنية اليوان، ما يترتب عليه التقليل من هيمنة  الدولار على أسعار النفط في الأسواق العالمية ، فالصين خمس العالم يتعداد السكان وفيها أضخم نمو اقتصادي ، وهي تشكل أول مستورد للنفط في العالم، أوروبا لا تنتج النفط باستثناء المملكة المتحدة لكن أوروبا لاتضاحي الصين من حيث عدد السكان ، أما أمريكا فتعتمد على استيراد أكثر من نصف احتياجاتها من مصادر الطاقة، و تشن الحروب وتقود الصراعات  في العالم والوطن العربي الذي يحتوي ثلثي احتياطي النفط العالمي .

لم تكن الصين لتقدم على هكذا خطوة لولا ضعف أمريكا، فالنظام الرأسمالي في أزمة بنيوية تعود للعام ٢٠٠٨ أحد أهم أسبابها غزو العراق. حدث لأمريكا كما يحدث في التراجيديا الأغريقية ، العراف الذي يتنبأ للبطل أن مصيبة ستصيبه ويبدأ العمل ليجنبوه وقوع نبوءة العراف  فيكونون بذلك يسرعون من وقوعها، غزت العراق لتسيطر على النفط العراقي وتصبح المتحكم الأول في تسعير النفط العالمي و تتمكن من خلق الكوابح في وجه الاقتصاد الصيني الصاعد ، لكنها سرعت من صعود المارد الصيني بخسارتها ، ويعبر بول كيندي – صاحب كتاب صعود وانهيار القوى الكبرى-  عن حالة أمريكا نتيجة غزو العراق متحدثاً عن الأزمة المالية العالمية التي ضربت أمريكا أولاً وبقية دول العالم في العام ٢٠٠٨. بأن النفقات الهائلة التي كلفت الخزانة الأمريكية جراء حربي العراق وأفغانستان للاستحواذ على منابع النفط كانت على حساب الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم والبحث العلمي والحد من الفقر في أمريكا ( يوجد في أمريكا 60 مليون يعيشون تحت خط الفقر) . وكتب جوزيف جوفي الذي تحدث عن موجات  تراجع القوة الأمريكية معلقاً ” وإن الخاسر الأكبر العم سام .. الغبي ” الذي يبدو الآن أن القوة تتحرك من بين يديه، متجاوزة أوروبا عموماً لتستقر في آسيا وفي الصين الصاعدة تحديداً التي تعتبر لدى الكثيرين السبب وراء بزوغ الموجة الخامسة من التراجع الأمريكي” .

يدرك منظرو السياسة الأمريكية أن أهم محددات استدامة وتراجع الإمبراطورية الأمريكية مرتبطة بعلاقتها مع القوى الصاعدة روسيا والصين، وبالقدرة على استحواذ الطاقة في العالم والفوز في الصراع من أجل الموارد. وإذا نجحت أمريكا باحتواء الصين وكبح صعودها ومنعها من المشاركة في القضايا الدولية، فإنها ستنجح في استمرار هيمنتها على العالم والعكس صحيح أيضاً فإذا توسعت الصين وازداد نفوذها وتدخلها في القضايا الدولية ستصبح منافسة للهيمنة الأمريكية. الحروب التجارية الدائرة والمستمرة بين بكين وواشنطن تشهد على ذلك.

بالعودة إلى الحرب على سوريا التي شنتها أمريكا، شكل الصمود السوري نقطة الفصل في هذا الصراع مادفع بوتين إلى دخول سوريا والمشاركة إلى جانب الجيش السوري وحلفائه .  أمريكا اعتقدت  في البداية أن روسيا ستغرق في سوريا كما حدث لها في افغانستان، لكن الرياح جرت عكس ماتشتهي السفن الأمريكية ،  وأخذت الانتصارات وعودة الأرضي السورية إلى حضن الدولة وانقلب الميزان لصالح سوريا وانتصارها على الإرهاب. بوتين الذي دخل سوريا ولديه خبرة كبيرة في في مكافحة الإرهاب (في الشيشان ) حارب الإرهاب بأحنك الطرق سياسياً واجتماعياً واستقطب المسلمين في روسيا بالرغم من حجم الطاقة التجنيدية ضده من الغرب . وبدأ الدور الروسي بالتعاظم على حساب النفوذ الأمريكي، هو الاتهامات الأمريكية لروسيا بالتدخل في الانتخابات  وبنتيجتها فرض ترامب عقوبات على روسيا وكانت بمثابة تأكيد لهذه الاتهامات. ولم يسبق أن حدث في تاريخ أمريكا تدخل كهذا.

الصين تميزت تاريخياً بعدم وجود دور سياسي واضح لها، لكن مشاركتها مع روسيا في الفيتو لصالح الحكومة السورية وللمرة الخامسة يؤكد على انخراطها في السياسة الدولية كند لأمريكا ورافض لسياستها في العالم.

منذ بضعة أيام أعلن ترامب انسحاب أمريكا من سوريا، معرباً عن أسفه لما أسماه تبديد واشنطن 7 تريليونات دولار فى حروب الشرق الأوسط. وقد حدد ترامب أن هذه الأموال أنفقتها أميركا منذ سبع عشرة سنة دون أن تحصل على مقابل.  يعني منذ إعلان أميركا الحرب على “الإرهاب” بعد أحداث أيلول، وما تلاها من غزو العراق، الذي لم تنسحب منه إلا في نهاية العام ٢٠١١ بعد أن أشعلت الحرب في سوريا.

أميركا اعتمدت سياسة الهروب إلى الأمام بالرغم من توصيات لجنة بيكر هاملتون في نهاية العام ٢٠٠٦،  التي دعتها للخروج من العراق والتفاوض مع سوريا وإيران. ومع استمرار حروبها كانت خسارتها تزداد. ضمن هذا السياق يأتي إعلان ترامب معبراً عن حالة التراجع التي يعانيها الاقتصاد الأمريكي.

 

عندما بدأ الجيش العربي السوري معركة تحرير الغوطة هددت أميركا ومعها فرنسا دمشق تهديداً جدياً وتراجعت عن تنفيذ تهديداتها. حينها وبالتزامن مع التهديد الأمريكي انخفض مؤشر البورصة في واشنطن أكبر انخفاض له في التاريخ، مما اضطر ترامب إلى اتخاذ ضخ مبلغ ٢٠٠ مليار دولار لإصلاح البنية التحتية. إذاً يمكننا القول بأن أمريكا باتت ضعيفة اقتصادياً ولم تعد قادرة على تغطية نفقات توسع نفوذها السياسي في العالم. وهي تعيش الآن بين حالة الإقرار بالهزيمة والركود الاقتصادي. ولكن هذا لا يعني أنها لا تزال تحاول -إذا وجدت -على المدى القصير ثغرة تستطيع من خلالها تحسين وضعها الميداني فلن تألو جهداً. أما على المدى البعيد فلم تعد قادرة على مواصلة حربها على سوريا لأن هذا سيضع النظام الرأسمالي برمته في خطر.

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *