تحاليل و تقارير ساخنه

النكبة – العودة (3) سطوة الصهيونية على الإدارات الأمريكية!!

 

كل ما يحاك ضد الفلسطينيين والعرب هو ثمرة أفكار المحافظين الجدد!!

 

محمود كعوش

كلما استقبلت ذكرى نكبة فلسطين في 15 أيار/مايو من كل عام، ينتابني الحزن وتعود بي الذاكرة إلى تاريخ الثاني من نيسان/أبريل 2008. ففي ذلك اليوم الأسود صادق مجلس النواب الأمريكي على قرارٍ وَقَفَ وراءه عتاة الصهاينة داخل تيار المحافظين الجدد في واشنطن ودعا إلى حل ما سُمي زوراً وبهتاناً “قضية اللاجئين اليهود في الأقطار العربية” في إطار ما سُمي زوراً وبهتاناً أيضاً “تبادل الحقوق”، فيما لو تسنى للفلسطينيين و”الإسرائيليين” أن يتوصلوا إلى تسوية سلام في المستقبل.

تحدث القرار عن تعويضات مالية لأكثر من 850 ألف يهودي ادعى واضعوه أن الحكومات العربية ” قامت بمصادرة أراضيهم ومنازلهم التي كانوا يعيشون فيها” بعد مغادرتهم لها إلى فلسطين المحتلة، في إطار هجرتهم إلى “أرض الميعاد” المزعومة.

ذلك القرار المشؤوم صدر يومها في سياق “سياسة ازدواجية المعايير والمواقف” الأمريكية المتعلقة بمسألة الصراع العربي ـ الصهيوني وبالأخص القضية الفلسطينية، والهادفة إلى إسقاط حق العودة عن اللاجئين الفلسطينيين الذين شردتهم الصهيونية العالمية في شتات الأرض، بتآمرٍ وتواطؤٍ مع كل الغرب وجزءٍ كبير من الشرق.

والقرار وإن لم يكن يتكئ إلى سند قانوني دولي يضفي عليه صفة الإلزام الضرورية، وإن كان لا يعدو عن كونه قراراً سياسياً أميركياً داخلياً اعتباطياً، إلا أن المحافظين الجدد قصدوا من وراء صياغته وإقراره في تلك المرحلة استباق أي حديث عن سلام محتمل بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، لغرض فرض مقايضة بين حق العودة للاجئين الفلسطينيين وما يُسوق داخل الكيان الصهيوني على أنه “قضية لاجئين يهود” غادروا الأقطار العربية إلى فلسطين المحتلة.

يشار في هذا الصدد إلى أن ذلك القرار الذي وقفت وراءه إدارة الرئيس الأمريكي الجمهوري الأسبق جورج بوش الابن لم يكن أول “المكرمات” التي أتحفتنا بها العقول الهدامة لأركان إدارات المحافظين الجدد في واشنطن على مدار سنوات ما بعد النكبة، بهدف خدمة الكيان الصهيوني ومخططاته الشيطانية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص المخططات الاستيطانية التوسعية في الوطن العربي، و بهدف خدمة التطابق القائم بين سياسات هذا الكيان اللقيط وسياسات الولايات المتحدة.

فهل يا ترى بمقدور أي مواطن عربي يحتفظ بذرة من الكرامة والعزة ويمتلك قدراً من الانتماء العربي والحس الوطني والقومي نسيان “مكرماتٍ” كانت قد أتحفتنا بها إدارة ذلك الرئيس الأرعن، ومن قبلها وبعدها إدارات أمريكية أخرى، مثلَ قرار غزو واحتلال العراق وتدميره، و”قانون محاسبة سورية”، و”وعد بوش المشؤوم” للسفاح الصهيوني المقبور أرئيل شارون، و قرار إدراج الحركات والمنظمات والفصائل والأحزاب العربية الممانعة والمقاومة على قوائم ما يُسمى زوراً وبهتاناً “الإرهاب” الدولي، وقرار أطلاق يد تل أبيب في عدوانها على لبنان في تموز/يوليو 2006، وقرار محاصرة قطاع غزة سعياً إلى تهجينه أو الفتك بأبنائه، وقرار الرئيس المعتوه دونالد ترمب الخاص باعتبار القدس “عاصمة لإسرائيل”، وقرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وكل القرارات والقوانين والوعود والتصريحات والبيانات والمواقف الأمريكية الأخرى المعادية لفلسطين والفلسطينيين والعرب أجمعين، والتي لا تعد ولا تحصى!! لا أعتقد، بل أجزم أنه من غير المستطاع ذلك.

لا أبالغ أبداً إذا ما قلت أن استذكاراً بسيطاً لما اتخذته و أقرته إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش من قرارات وقوانين جائرة، وما أصدرته من وعود وتصريحات وبيانات ومواقف نافرة بخصوص منطقة الشرق الأوسط عامة، والوطن العربي خاصة، والقضية الفلسطينية بأخص الخصوص، خلال فترتي تربعه على سدة الحكم في البيت الأبيض “بين كانون الثاني/يناير 2001 بموجب نتائج انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2000 وحتى كانون الثاني/يناير 2009، موعد تسلم الرئيس الديمقراطي باراك أوباما مهام مسؤولياته في البيت الأبيض”، وما سبقها و لحق بها من إدارات أمريكية ديمقراطية وجمهورية، يكفي للتدليل على مدى التطابق بين السياسة الخارجية لواشنطن وتل أبيب، خاصة في ما يتعلق بمسألة الصراع العربي ـ “الإسرائيلي”.

ولربما أن مثل هذا الاستذكار يكفي أيضاً للتدليل بشكل أوضح وأدق على أن كل ما أقدمت عليه الإدارات الأمريكية بشأن هذه المسألة وما اقترفته من جرائم وما ارتكبته من حماقات بحق العرب عامة والفلسطينيين خاصة، ما كان بالإمكان حدوثه بالكيفية العدائية التي جاءت عليه لو لم تتدخل فيه الإرادة الصهيونية عبر بنات أفكار المحافظين الجدد المتصهينين، الذين حافظوا على تغلغلهم داخلها وأحكموا قبضتهم الحديدية على كل مفاصلها الحيوية.

فقرار غزو واحتلال العراق وتدميره بالطريقة الهمجية والحاقدة التي حدثت كان بلا شك “ثمرة من ثمرات” بنات أفكار المحافظين الجدد، ووقفت وراءه الإرادة الصهيونية. وجميع المسوغات والذرائع الواهية التي فبركتها المطابخ السياسية والإعلامية الأمريكية وسوقتها المطابخ السياسية والإعلامية البريطانية والغربية بشكل عام لارتكاب جريمة الغزو والاحتلال والتدمير بما في ذلك كذبة “أسلحة الدمار الشامل العراقية”، لم تكن سوى بدع وأضاليل واهية لإخفاء رغبة هؤلاء المحافظين الجدد الموتورين والحاقدين في تدمير العراق وتفتيته إلى شيع وقبائل وطوائف ومذاهب وأعراق تتلهى بالاقتتال في ما بينها، وعزله بشكل نهائي عن محيطه العربي وشطبه من معادلة الصراع العربي ـ الصهيوني، وسرقة ثروته النفطية الهائلة.

وقرار إدراج الحركات والفصائل المقاومة والأحزاب السياسية العربية الممانعة والمؤيدة لمقاومة الاحتلال والهيمنة مثل حركتي “حماس” و”الجهاد” الفلسطينيتين و”حزب الله” اللبناني على قوائم “الإرهاب الدولي” بالتزامن مع إدراج مَن تبقى مِن الأقطار العربية الممانعة التي تفاخر بأصالتها العربية وتجاهر بثوابتها الوطنية والقومية وتفصح عن عدائها وتصديها لمطامع ومخططات الولايات المتحدة الاستعمارية ومطامع ومخططات الكيان الصهيوني الاستيطانية ـ التوسعية على ذات القوائم وإصدار قوانين خاصة لمحاسبتها والعمل على ضرب وحدتها وتدميرها من خلال افتعال الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية والاثنية فيها بدعوى “الديمقراطية” و”الإصلاح” وتحت مسمى “الربيع العربي” الكاذب، كان هو الآخر من ثمرات بنات أفكار المحافظين الجدد، وبالطبع وقفت وراءه الإرادة الصهيونية قبل الإدارة الأمريكية.

والقرارات التعسفية التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بشأن فلسطين، من محاربة أبنائها بشكل تعسفي وعلني وحض الكيان الصهيوني الفاشي على رفع وتيرة اعتداءاته الإجرامية اليومية المتواصلة ضدهم وإثارة النزعات العدائية وافتعال التقاتل في ما بينهم، من خلال مناصرة فريق على آخر، ومحاصرتهم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وطبياً، ومحاصرة بُطونهم وأمعائهم التي هي بالأصل خاوية، وصولاً إلى قرار الرئيس المعتوه دونالد ترمب الخاص باعتبار القدس “عاصمة لإسرائيل”، وقرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، كانت أيضاً من ثمرات بنات أفكار المحافظين الجدد، ووقفت وراءها الإرادة الصهيونية قبل الإدارة الأمريكية.

فعندما قرر المحافظون الجدد المتصهينون ما قرروه من قرارات، وسنوا ما سنوه من قوانين، وأصدروا ما أصدروه من وعود وتصريحات وبيانات، واتخذوا ما اتخذوه من مواقف بشأن العرب عامة والفلسطينيين خاصة، وعندما ألحقوا ما ألحقوه بالعرب عامة وبالفلسطينيين خاصة من جور وظلم وتعسف في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الأرعن جورج بوش الابن والإدارات التي سبقتها والتي لحقت بها، إنما فعلوا ذلك بناءً لإرادة صهيونية طاغية همها الوحيد تحجيم وإضعاف كل القوى العربية الرسمية والحزبية والشعبية القادرة على القيام بفعل مقاوم أو ممانع ضد الكيان الصهيوني، وإخضاعها لمشيئة هذا الكيان وإجبارها على القبول به كسلطة احتلال دائمة والتسليم بسياسة الأمر الواقع القائمة في الأراضي العربية المحتلة، وفي مقدمها الأراضي الفلسطينية.

مما سلف يتبين لنا أن كل ما كان يعني إدارات المحافظين الجدد إبان فترتي رئاسة الجمهوري جورج بوش الابن والإدارات الديمقراطية والجمهورية التي سبقتها ولحقت بها بشأن منطقة الشرق الأوسط وما سعت إلى تحقيقه في المنطقة وبالذات في الوطن العربي، تركز على تطبيق سياسة الكيان الصهيوني وتنفيذ استراتيجيته، رغبة في تحقيق أهدافه واستمرار احتلاله لتراب فلسطين وأجزاء أخرى من الوطن العربي بمنطق القوة وبدبلوماسية البوارج والقاذفات الصاروخية، باعتبار أن تلك الأهداف تتقاطع مع الأهداف الأمريكية، وباعتبار أن هذا الكيان اللقيط هو ربيب للإمبريالية العالمية الجديدة، التي أفرزها النظام العالمي الذي استجد مع نهاية الحرب الباردة، والتي تتزعمها الولايات المتحدة.

وبمعنى آخر يمكن القول أن ما فعلته إدارة بوش الابن، وهي الأسوأ بين الإدارات الأمريكية، في منطقة الشرق الأوسط وبالأخص في الوطن العربي، حدث بإرادة صهيونية عبرت عن نفسها من خلال بنات أفكار المحافظين الجدد، وحدث أولاً وأخيراً من أجل عيون الكيان الصهيوني العنصري وحكامه ومستوطنيه الذين استُوردوا إلى فلسطين بموجب أوامر شحن غير مرخصة. وبذات المعنى يمكن سحب ذلك على جميع الإدارات الأمريكية التي سبقتها ولحقت بها.

 

*كاتب وباحث فلسطيني مقيم بالدنمارك

[email protected]

 

 النكبة – العودة 1

النكبة – العودة (2) العرب بين نظرية المؤامرة وإرادة المقاومة

النكبة – العودة (4) حق العودة مقدس، وليس للتفريط أو التبديل أو المقايضة

 

يتبع غدا

محمود سعيد كعوش

من مواليد ميرون ـ صفد: الجليل الأعلى ـ فلسطين المحتلة،شهادات عليا . مكان الإقامة السابق : لبنان . ..مكان الإقامة الحالي : الدانمرك ـ اسكندنافيا . الكفاءة العلمية: درجتان جامعيتان في الإدارة والأدب الإنكليزي . عمل في مجالي التعليم العالي والترجمة والإعلام المكتوب والمسموع، إلى جانب الكتابة الصحفية وإعداد الدراسات والأبحاث السياسية والثقافية والإجتماعية . عمل في العديد من الصحف والمجلات العربية والبريطانية . عمل مديراً للإذاعة العربية الموجهة للجالية العربية في الدانمرك ومقدماً للأخبار والبرامج الحوارية فيها. له العديد من الدراسات والأبحاث في الفكر القومي العربي والشؤون العربية وبالأخص الفلسطينية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *