أقلام الوطن

الدولة الواحدة … إيلان وبن سلمان!: مشكلتنا مع عبيد اليهود،

 د. عادل سمارة

سألني صديق قبل بضعة ايام لماذا تنتقد إيلان بابيه وهو من المؤرخين الجدد، ويقف ضد “إسرائيل” والآن هو في جامعة إكستر في بريطانيا وينادي بالدولة الواحدة ومؤلف كتاب “التطهير العرقي”…الخ.

والسؤال مشروع لأسباب عديدة، أخطرها أولئك الأكاديميين والمثقفين وخاصة الطابور السادس الثقافي وكذلك الماركسيين المهترئين (الرثَّيْن Lumpen- Marxists) الذين تخصصوا منذ زمن في البحث في روث الصهاينة عن بذرة صغيرة تقول ببعض بعض بعض حقنا.

هم الغارقون في وهْم وشبق “الاعترافين” :

  • وهم إعتراف الغرب الرأسمالي والصهيوني بهم كفردانيين،
  • وشبق اعترافهم هم بالكيان .

والاعتراف الثاني هو الذي أنعش خديعة الدولة الواحدة التي وُلدت كمؤامرة سياسية منذ قرابة قرن، ولم تُنبت إلى أن أتى زمن استدخال الهزيمة فأنبتت زقوماً ملخصه الارتماء الاستجدائي في حضن الصهيونية كي تقبلهم، ويزعمون انها سوف تقبلنا جميعاً! بينما لن تكن هي سوى دولة واحدة يهودية لكل مستوطيها اليهود.

والصهيونية ، وخاصة اليوم وقد وصلت من الوقاحة مكاناً لا تطالب بالجولان السوري المحتل وحسب بل تستوطن في أربيل وقامت بتطويب تيران وصنافير جوهريا لها وشكلانيا لحكام السعودية، ناهيك عن أنها تُمعن في شعبنا قتلا وفي شعبنا السوري كذلك. وهذا الجشع والعسف الراسمالي الصهيوني يتغذى من نسغ الصهاينة العرب لا سيما في حقبة استدخال الهزيمة على مستوى الحكام والطبقات التابعة من طفيلية وكمبرادور وتجار، وكثير من الأحزاب، والأفراد المثقفين بالهزيمة.

بدوري اقول للصديق العزيز ولكل من يدفعه وعيه وتماسكه وقوة الرفض في روحه  أنه آن الأوان لنُثبت للعالم احترامنا لأمتنا وخاصة الطبقات الشعبية منها، دعك من الطبقات المنخورة بالسُحت والمال والتبعية،  علينا أن نُحيي ما قتله التطبيع، أي حقنا في التحرير والعودة إلى وطن نحكمه نحن ونملكه نحن لأن هذا هو التاريخ وبهذا فقط يستقيم الزمن على قدمية بعد أن أُرغم للمشي على راسه قرناً.

إيلان بابيه يصف حالة شعبنا بأنه تعرض للتطهير العرقي. نعم لقد أنتج بحثاً مسيَّساً في ثوب علمي موضوعي على طريقة مثقفي الأكاديميا الرأسمالية الغربية، وهي أداة لراس المال في مختلف مراحل الاستعمار والإمبريالية والعولمة.

لا شك أنه مؤرخ جيد، وجريىء للكثير من مجريات اقتلاع شعبنا من وطنه، ولكن وصوله إلى الاستنتاج بان ما حصل في فلسطين هو تطهير عرقي، ليس كافياً علمياً، وخبيث سياسياً.

ونقدي على تطهيره العرقي وخبثه التطهُّري، هو التالي:

أولاً: لم تُخف الصهيونية ابداً أنها ضد وجودنا في وطننا. ولم تتغير الصهيونية بعد، وفي كل يوم نسمع “حنين” الصهاينة للتخلص من شعبنا خارج وطنه. وهذا الأساس الإيديولوجي السياسي التطبيقي لدى  الصهيونية لا يمكن وصفه بالتطهير العرقي، لأن هدفه المعلن  اقتلاعنا  بالمطلق واغتصاب لكامل الأرض وابعد. أما تلاعب وتسلية الصهيونية بالحديث عن حكم ذاتي ودولتين وسلام، فليس سوى كسباً للوقت حتى يحين الإجهاز الشامل علينا وهذا ما يوفره الحكام العرب اليوم مسنودا بغيبوبة الشارع العربي.

ثانياً: يحصل التطهير العرقي عادة في بلد يكون فيه حق للطرفين الغالب والمغلوب، حيث يقوم الغالب كاقوى بإزاحة المغلوب من بعض المكان مغتصباً حقه. بينما في فلسطين لا يوجد سوى حق واحد هو حق شعبنا في وطنه. فالصهيوني ليس شريكا ولذا، من الجريمة سقوط كثير منا في:

  • تقاسم الوطن مع العدو ، وهو حتى يرفض التقاسم
  • أو الانطواء أذلاء تحت سلطته كما تدعو فرق “الدولة الواحدة” ولن يقبل.

ثالثاً: يحصل التطهير العرقي في فترة زمنية معينة تنتهي إلى شكل من التصالح أو الاستسلام وتطامُن المغلوب مع الغالب أو ادخار القوة لمقاومة ما. بينما في فلسطين نتعرض لطرد ومحاولات إبادة متواصلة منذ قرن ولم تتوقف.

رابعاً: يحصل التطهير العرقي في تدافع ينتهي أو يصل إزاحة الضعيف جغرافيا على يد القوي من مساحة  من المكان، ولكن ليس إزاحته التامة المطلقة، بينما في فلسطين يتم اغتصاب العدو كامل الجغرافيا ويواصل قراءة وتجهيز آليات الطرد الجماعي حين يحين الوقت.

حين سُئل “بطل السلام في نظر بعضنا –اسحق رابين” في الانتفاضة الأولى 1987، : فيم تفكر لوقف الانتفاضة؟ قال أن اطرد من الضفة الغربية 600 ألف فلسطيني. فقال له الصحافي: لكن هذا سيمد الصراع خمسون سنة قادمة، فأجاب: حينها على حكام إسرائيل أن يتدبروا أمرهم. (كما اذكر كان هذا في مقابلة مع رابين  في ملحق جريدة جروزالم بوست 25 آذار 1988).

وقد ذكرت في سؤال حامض رقم…. 1373أن مخطط الكيان لاحتلال الضفة الغربية كان مكتملا منذ عام 1965 ، اي أن ليس احتلالها بسبب حرب 1967( أنظر، دولتهم الواحدة…وماذا لو حصل الإنقلاب!، كنعان النشرة الإلكترونية –السنة الثامنة عشر –  العدد 4746، 27 نيسان (إبريل) 2018).

خامساً: إن أوضح مثال فعلي والأكثر جرائمية وتخطيطاً وتآمراً في مشروع التطهير العرقي هو العملية المشتركة والمتواطئة بين:

  • الراسمالية الإمبريالية الغربية
  • وقيادات الحركة الصهيونية.

التي أغرت وأدلجت وطردت اليهود من أوطانهم إلى فلسطين ليصبح الكيان كما لو كان “الأمم المتحدة” من مئة قومية مطرودة/وطاردة نفسها  إلى فلسطين. وهو تطهير عرقي معولم بمعناه الحقيقي حيث بقي جزء من اليهود في مواطنهم الأصلية بينما تم استجلاب يهود من كل العالم وتم طرد اليهودالعرب العراقيين بالقتل والقنابل وبتواطؤ حكام عرب ايضاً . أنظر كتاب عباس شبلاق الصادر عام 1986 في لندن عن دار الساقي: إغواء صهيوني(The Lure of Zion. .وانظر

Lenni Brenner, Zionism in the Age of the Dictators (1983).

وانظر ايضا ليني برينر:

51 Documents: Zionist Collaboration with the Nazis Paperback – March 16, 2010 by Lenni Brenner (Author

 

ولعل أوسع أو اشد تطهير عرقي مزدوج  ضدهم كان في ألمانيا حيث المحرقة النازية من جهة وتواطؤ قياداتهم معها من جهة ثانية،  ليس فقط بمذبحة النازية بل ايضا لأن تجمعهم في بافاريا كان واسعاً. أما الاتحاد السوفييتي وخاصة في فترة جورباتشوف ومن ثم يلتسين فقام بأوسع موجة تطهير عرقي مركباً على استجلاب صهيوني حيث رفد الكيان بمليون مستوطن.

واليوم تعلن مستشارة ألمانيا حربها على وجودنا باعترافها بدولة يهودية في فلسطين، وهو موقف يتقاطع مع إبادة شعبنا، أي يؤكد أن ما يحصل لشعبنا هو أبعد من التطهير العرقي. هذا بدل أن تعتذر عن عدم إعادة اليهود الألمان إلى وطنهم  بافاريا.

إذن، إيلان بابيه حينما ينضم، وربما يقود مجموعات من السوقة والعوام والرعاع الفلسطينيين في ما يسمى الدولة الواحدة، فهو عمليا يعتبر الكيان صاحب أرض ومالك أرضاً في فلسطين بل المالك الأكبر. وهنا نجد بن سلمان وقد اقتفى آثار إيلان  حين قال بان لليهود الحق في “أرضهم” في فلسطين.

وهذا يبين اللقاء الاخر بين إيلان وبن سلمان وهو فك فلسطين عن العمق العروبي. فإيلان بابيه يتهرب تماماً من اي حل أو مستقبل لفلسطين ضمن الواقع العربي ولا يجرؤ تابعوه هم/هن من الفلسطينيين على مواجهة رفضه للعمق العربي لأنهم مأخوذين بشبق اعتراف أي يهودي بهم. هذا العزل القسري عن العمق العربي بهدف دفع الفلسطينيين ليكونوا في وضع الأضعف بتجريد القضية من عمقها العربي كي تكون سيطرة الصهيوني مطلقة، وهي السيطرة التي تدفع باتجاه صفقة القرن ومعتقل للفلسطينيين في سيناء.

ولكي لا نظلم بن سلمان بتضخيم شخصه، فهو لا شك جاهل مأفون بالسلطة يُقال له فيهرف بما لا يعرف، ولكن كونه في السلطة فهو يقصف شعبنا بأخطر من سلاح التدمير الشامل. وربما يصح القول بأن من يفهم الحكام العرب المتهالكين هو سيدهم الأمريكي الذي يصرح بلا مواربة بأن هذه الأنظمة لا تعيش اسبوعا واحدا دون الحماية الأمريكية.  وهذا يطرح السؤال المُر: ترى ماذا يقول الشعب العربي عن هؤلاء الحكام وهم جلاوزة في الداخل وعملاء في الخارج؟

هذا تقاطع الإثنين وبتحديد هو اعتبار أن لليهود حق في الوطن مثلنا وأكثر.  ومع ذلك، لا يتوقف الخطر هنا، بل إن اعتبار أن لليهود حق في وطننا أو الحق الأكبر  يفتح الباب بسهولة على تحويلنا كطرف ضعيف إلى “الدولة المستقلة ذات السيادة في سيناء”. هذا هدف صفقة القرن التي تقرأنا  ك قطيع لا اعلى.

وهذا يدعو للوقوف بقوة ضد مختلف دُعاة الدولة الواحدة بدءاً من “صرخة التعايش مع المستوطنين” وصولا إلى صرخات أكثر خبثاً تلهج بالتعايش مع الصهاينة، لا فرق لا فرق.

كاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *